وعَدُّ الشَّيْ كذلك، وإِن لم يكُنْ ؛ نحو :" اسْتَحْسَنَهُ ".
ومطاوعةُ " أَفْعَل " ؛ نحو : أَشْلاَه فَاسْتَشْلَى ".
وموافقتُه له أيضاً ؛ نحو :" أَبَلَّ الْمَرِيضُ وَاسْتَبَلَّ ".
وموافقةُ " تَفَعَّلَ " ؛ نحو :" اسْتَكْبَرَ " بمعنى " تكبر ".
وموافقةُ " افْتَعَلَ " ؛ نحو :" اسْتَعْصَمَ " بمعنى " اعْتَصَمَ ".
والإِغْنَاءُ عن المجرد ؛ نحو :" اسْتَكَفّ " و " اسْتَحْيَا "، لم يتلفظ لهما بمجردِ استغناء بهما عنه.
والإغْنَاءُ بهما عن " فَعَلَ " أي المجرد الملفوظ به نحو :" اسْتَرْجَعَ " و " استعان "، أيْ : رجع وحَلَق عانته.
وقُرِىءَ :" نِسْتَعِينُ " بكسرِ حرف المضارعة ؛ وهي لُغَةٌ مطردةٌ في حروف المُضَارعة.
وذلك بشرط ألا يكن حرفُ المضَارعة ياءً ؛ لثقل ذلك، على أنَّ بعضَهُم قال :" ييجَلُ "، مضارع " وَجَلَ "، وكأنه قصد إلى تَخْفِيفِ الواو إلى الياء، فكسر ما قبلها لتنقلب ؛ وقد قُرِىءَ :﴿فإنَهم ييلَمُون﴾ [النساء : ١٠٤]، وهي هادمةٌ لهذا الاستثناءِ، وسيأتي تحقيقُ ذلك في موضعه إنْ شاء الله تعالى.
وأن يكونَ المُضَارع من ماضٍ مكسورِ العَيْنِ ؛ نحو :" تِعْلَمْ " من " عَلِمَ "، أو في أوله همزةُ وصلٍ، نحو " نِسْتَعِينُ " من " اسْتِعَانَ "، أو تاءُ مُطَاوَعةٍ ؛ نحو :" نِتَعَلَّمُ " من " تَعَلَّمَ "، فلا يجوزُ في " يضْربُ " و " يقتلُ " كشر حرف المُضَارعة ؛ لعدم الشرُّوط المذكورة.
والاستعانَةُ : طلبُ العَوْنَ : وهو المُظَاهرة والنصرة، وقدم العِبَادَةَ على الاسْتِعَانَةِ ؛ لأنها وصلةٌ لطلب الحاجة.
وقال ابنُ الخَطيبِ : كأنه يقولُ : شَرَعْتُ في العِبَادَةِ : فأستعين بك في إتمامها، فلا تمنعني من إتمامها بالمَْوتِ، ولا بالمرضِ، ولا بقلب الدَّواعي وتَغَيُّرِها.
وقال البَغَوِيُِّ : رحمه الله تعالى - فإن قيل : لم قدم ذِكْرُ العِبَادَةِ على الاستعانَةِ، والاستعانةُ لا تكون إلاَّ قبل العبادة ؟
١٢٠
قلنا : هذا يلزمُ من جَعَلَ الاستعانةَ قبلَ الفعل، ونحن نَجْعلُ التوفيقَ، والاستعانةَ مع الفعل، فلا فرق بيت التقديم والتأخير.
وقيل : الاستعانَةُ نوعُ تعبُّدٍ، فكأنه ذكر جملة العبادَةِ أوّلاً، ثم ذكر ما هو من تفاصيلها وأطلق كُلاًّ من فِعْلَيْ العبادَةِ والاستعانَةِ فلم يذكر لهما مفعولاً ؛ ليتناول كل معبود به، وكلَّ مُسْتَعان [عليه]، أَوْ يكون المُرادُ وقوعَ الفعلِ من غير نظر إلى مفعول ؛ نحو :﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ﴾ [البقرة : ٦٠] أي أوقعوا هذين الفِعْلَيْنِ.
فصل في نظم الآية قال ابنُ الخَطِيبِ - رحمه الله تعالى - : قال تعالى :" إيَّاكَ نَعْبُدُ " فقدَّمَ قولَه :" إيَّاكَ " على قوله :" نعبد " ولم يقل :" نعبدك " لوجوه : أحدُها : أنه - تبارك وتَعَالَى - قدّم ذِكْرَ نَفْسِهِ ؛ لينبه العَابِدَ على أن المعبودَ هو اللهُ - تعالى - فلا يتكاسَلُ في التعظيم.
وثانيها : أَنَّه إِنْ ثقلت عليك العبادات والطاعات وصعبت، فَاذْكُرْ أوَّلاً قولَه :" إياك " ؛ لتذكرني، وتحضر في قلبك معرفتي، فإذا ذكرتَ جَلاَلي وعظمتي، وعلمت أني مولاك، وأنك عبدي ؛ سهلت عليك تلك العبادة.
وثالثها : أن القديمَ الواجبَ لذاتِه متقدمٌ في الوجودِ على لمحدث الممكن لذاته، فوجب أن يكون ذكره متقدماً على جميع الأذكار.
فصل في نون " نعبد " قال ابنُ الخَطيب - رحمه الله تعالى - : لقائلٍ أّنْ يقولَ : النُّون في قوله تعالى :" نعبد " إما أن تكون نونَ الجمع، أو نونَ العظمةِ، والأول باطِلٌ، لأن الشخصَ الواحدَ لا يكون جَمْعَاً، والثاني باطل أيضاً ؛ لأن عند أداء العبوديةِ، اللائق بالإنسان أن يذكر نفسه بالعَجْزِ والذّلة لا بالعَظَمَةِ.
واعلم أنه يمكن الجوابُ عنه مِنْ وُجُوه : أحدها : أنّ المرادَ مِنْ هذه النونِ نونُ الجَمْعِ، وهو تنبيه على أنَّ الأَوْلَى بالإنسان، أَنْ يؤدي الصَّلاة بالجماعة.
الثاني : أنَّ الرجلَ إِنْ كان يُصَلِّي في جماعة، فقوله :" نعبد "، المُرَاد منه ذلك الجمعُ، وإن كان يصلّي الصَّلاة بالجماعة.
الثالث : أنَّ المُؤْمِنين إخوةٌ، فلو قال :" إياك أعبدُ " كان قد ذكر عبادَةَ نفسِه، ولم يذكر
٢٢٠
عبادَةَ غَيْرِه، أما إذا قال :" إياك نعبدُ " كان قد ذكر عبادَة نفسِه، وعبادة جميع المؤمنين شرقاً وغرباً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٥