فصل : لا عبرة في الإجماع بالفرق الضالة دَلَّت الآيةُ على أنّ العِبْرَة بإجْمَاع المُؤمِنين، فأمَّا من يشكُّ في بإيمانِهِ من سائِرِ الفرقِ فلا عِبْرَةِ بِهِم.
فصل : حصر الأدلة أربعة دَلَّت [هذه] الآيةُ على أنَّ ما سِوَى هذه الأصُولِ الأرْبَعَة، أعني : الكِتَابِ والسُّنَّة والإجْمَاعِ والقياسَ باطِلٌ ؛ لأنه - تعالى - جعل الوَقَائِعِ قِسْمَيْن : أحدهما : مَنْصُوص عليه فأمر فيه بالطَّاعَةِ، بقوله [ - تعالى - ] :﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.
والثاني : غير مَنْصُوص عليه [وأمر فيه بالاجتهاد بقوله - تعالى - :﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ ]، ولم يزد على ذَلِكَ ؛ فدلَّ على أنه لَيْسَ للمكَلَّفِ أن يَتَمَسَّك بشَيْءٍ سِوَى هذه الأرْبَعَة، فالقَوْلُ بالاسْتِحْسَانِ الذي تَقُولُ به الحَنَفِيَّةُ،
٤٤٨
والقول بالاسْتِصْحَابِ الذي تقُولُ به المالِكِيَّة قو بَاطِلٌ لهذه الآية.
فصل : في الاقتداء بقول الرسول ﷺ وفعله المنْقُول عن النَّبِيِّ ﷺ إن كان قَوْلاً، وَجَبَ طَاعَتُهُ ؛ لقوله - تعالى - :﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ﴾ وإن كان فِعْلاً، وجب الاقْتِدَاءُ بِهِ إلاّ ما خصَّه الدَّلِيل ؛ لقوله - تعالى - :﴿وَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأعراف : ١٥٨]، والمُتَابَعَةُ عِبارَةٌ عن الإتْيَانِ بمثل فِعْل الغَيْرِ ؛ لأجْلِ أنَّ ذلك الغَيْر فَعَلَهُ.
٤٤٩
فصل : الأمر في الشرع يدل على التكرار ظَاهِر الأمْرِ في عُرْفِ الشَّرْع يدل على التِّكْرَارِ لوُجُوه : الأول : أن قوله :﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ﴾ يَصِحُّ منه اسْتِثْنَاء أيِّ وقْتٍ كان، وحُكْمُ الاسْتِثْنَاء إخْرَاج ما لوْلاَهُ لَدَخَل ؛ فوجَبَ أن يكُون قوله :﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ﴾ مُتَنَاوِلاً لكُلِّ الأوْقَاتِ، وذلِك يَقْتَضِي التَّكْرَار.
والقول الثاني : لو لَمْ يفدْ ذَلِك، لصارت الآيةُ مُجْمَلة ؛ لأن الوَقْتَ المخصُوصَ والكيْفِيَّة المخْصُوصَة غير مَذْكُورة، فإذا حَمَلَنَاهُ على العُمُوم كانت مُبَيِّنة، وهو أوْلَى من الإجْمَالِ، أقصَى ما في البَابِ أنَّه يدخل التَّخْصيص، والتَّخْصيص خَيْرٌ من الإجْمَال.
الثالث : أنه أضَاف لَفْظَ الطَّاعَةِ إلى لَفْظِ اللهِ، [وهذا] يَقْتَضِي أن مَنْشَأ وجوب الطَّاعَةِ هو العُبُودِيَّةُ والرُّبُوبِيَّةِ، وذلك يَقْتَضِي دوامَ وُجوبِ الطَّاعَةِ على المكَلَّفين إلى يَوْمِ القِيَامَة.
فصل قال - [تعالى] - :" أطيعوا الله " فأفرَدَهُ بالذِّكْر [ثم] قال :" وأطيعوا الرسول وأولِي الأمر " وهذا تَعليمٌ من الله لنا الأدب، ولذلك " رُوِيَ أن رجلاً قال بِحَضْرَة الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - :" مَنْ أطَاعَ اللهَ والرَّسُولَ فَقَدْ رشَدَ ومَنْ يَعْصِهِمَا فقد غَوَى "، فقال - عليه السلام - :" بِئْس الخَطِيبُ أنْتَ هَلا قُلْتَ : مَنْ عَصَى اللهَ وعَصَى رَسُولَهُ " أو لفظ هذا مَعْنَاه ؛ وذلك لأنَّ الجَمْعَ بينَهُمَا في اللَّفْظِ يوهِمُ نَوْع مُنَاسَبةٍ ومُجَانَسة، والله - تعالى - مُنَزَّهٌ عن ذلك.
فصل : في فروع تتعلق بالإجماع دلَّ قوله - تعالى - :﴿وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ على أن الإجْمَاع حُجَّة، وهَهُنا فروعٌ : الأوَّل : أن الإجْماع لا يَنْعَقِدُ إلا بقوْل العُلَمِاء، الذين يمكِنُهُم اسْتِنْبَاطُ أحْكَامِ الله - تعالى - من نُصُوص الكِتَابِ والسُّنَّةِ، وهؤلاء هم المُسَمَّون بأهْلِ الحَلِّ والعَقْدِ.
الثاني : اخْتَلَفُوا في الإجماعِ الحَاصِلِ عَقِيب الخلافِ، هل هو حُجَّة أمْ لاَ، وهذه
٤٥٠