وقال الشافعي : يثبت ؛ لأن هذا العموم [قد خص بقوله عليه الصلاة والسلام :" المتبايعان بالخيار كل واحد منهما ما لم يتفرقا ".
وقال أبو حنيفة : الجمع بين الطلقات] حرام ؛ لأن النكاح عقد، فوجب أن يحرم رفعه لقوله تعالى :﴿أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ﴾ تُرك العمل به في الطلقة الواحدة بالإجماع، فيبقى فيما عداها على الأصل.
وقال الشافعي : ليس بحرام لتخصيص هذا العموم بالقياس، وهو أنه لو حرم الجمع لما نفذ، وقد نفذ فلا يحرم.
قوله سبحانه :﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ لما قرر أولاً جميع التكاليف من حيث الجملة، شرع في ذكرها من حيث التفصيل.
والبهيمة كل ذات أربع في البر والبحر [وقيل : ما أبهم من جهة نقص النطق والفهم.
قالوا وأصله : كل حي لا عقل له فهو بهيمة] من قولهم : استبهم الأمر على فلان إذا أشكل، وهذا البابُ مُبْهم، أي : مسدود الطريق، ثم اختص هذا الاسم بذوات الأربع، وكل ما كان على وزن " فعيل " أو " فعيلة " حلقي العين، جاز في فائه الكسر إتباعاً لعينه، نحو : بهيمة، وشعيرة، وصغيرة، وبحيرة.
والأنعام هي الإبل والبقر والغنم، قال تعالى :﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ﴾ [النحل : ٥] إلى قوله :﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾ [النحل : ٨] وقال تعالى :﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً﴾ [يس : ٧١] إلى قوله :﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ﴾ [يس : ٧٢] وقال :﴿وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً﴾ [الأنعام : ١٤٢].
وقال الواحدي : لا يدخل في اسم الأنعام الحافر ؛ لأنه مأخوذ من نعومة الوطء، وقد تقدم في " آل عمران ".
فإن قيل : البهيمة اسم جنس، والأنعام اسم نوع، فقوله :" بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ " يجري مجرى قول القائل : حيوان الإنسان، فالحيوان إن قلنا إن المراد بالبهيمة وبالأنعام شيء واحد، فإضافة البهيمة إلى الأنعام [إما للبيان] فهو كقولك : خاتم فضّة، أي : من فضّة، ومعناه [أنَّ] البهيمة من الأنعام، أو للتأكيد كقولنا : نفس الشيء وذاته وعينه.
١٦٤
وإن قلنا : المراد بالبهيمة شيء، والأنعام شيء آخر، ففيه وجهان : أحدهما : أن المراد من بهيمة الأنعام الظباء وبقر الوحش ونحوها، كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام، ويدانيها من جنس البهائم في الاجترار، فأضيف الاجترار إلى الأنعام لحصول المشابهة.
والثاني : أن المراد ببهيمة الأنعام أجنة الأنعام، روي عن ابن عباس [ - رضي الله عنهما - ] أن بقرة ذبحت، فوجد في بطنها جنين، فأخذ ابن عباس بذنبه، وقال : هذا من بهيمة الأنعام.
وعن ابن عمر أنها أجنة الأنعام، وذكاته ذكاة أمه، ومثله عن الشعبي.
وذهب أكثر اهل العلم إلى تحليله ؛ لما روى أبو سعيد، " قال : قلنا : يا رسول الله :" نَنْحَرُ الناقة، ونذبح البقرة والشاة، فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله " ؟ قال :" كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ، فإنَّ ذكاتَه ذكاة أمِّهِ " وشرط بعضهم الإشعار.
فإن قيل : لو قال : أحلت لكم الأنعام، لكان الكلام تاماً ؛ كقوله تعالى في آية أخرى :﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ﴾ [الحج : ٣٠] فما فائدة زيادة لفظ " البهيمة " هنا ؟ [الجواب : إن قلنا : إن بهيمة الأنعام هي الأجنة] فالجواب : ما تقدم من الإضافة، أعني إضافة بهيمة الأنعام.
فإن قيل : لِمَ أفرد " البهيمة " وجمع لفظ " الأنعام " ؟ فالجواب : إرادة للجنس.
فصل في الرد على شبهة الثنوية قالت الثنوية : ذبح الحيوان إيلامٌ، والإيلام قبيح، والقبيح لا يرضى به الإله الرحيم الحكيم، فيمتنع أن يكون الذبح حلالاً مباحاً بحكم الله، وتحقيق ذلك أن هذه الحيوانات ليس لها قدرة على الدفع عن أنفسها، ولا لها لسان تحتج به على من
١٦٥