وقال مَكيُ بنُ أبي طالب : هو في موضع نَصْبٍ على الحال [من] المضمر في " مُحِلّي "، وهذا هو الصحيحُ.
و[أما] ما ذكره الزَّمَخْشَرِيُّ، فلا يَظْهَرُ فيه مجيءُ الحالِ من المضاف إليه في غير المواضع المستثناة.
وقرأ يَحْيَى بنُ وثَّاب، وإبراهيم والحسن " حُرْم " بسكون الراء.
وقال أبو الحسن البصريُّ : هي لغة " تَمِيم " يَعْنِي يُسَكِّنون ضمة " فُعُل " جمعاً، نحو :" رُسْل ".
قد تقدم كلامُ المعربين في الآية الكريمة.
قال المفسرون : معنى الآيةِ، أحِلَّتْ لَكُم الأنعامُ كُلُّها، إلا ما كان منها وَحْشِيًّا ؛ [فإنه صَيْدٌ] لا يَحِلُّ لكم في حال الإحرامِ، وقوله :﴿لأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ استثناءٌ مُجْمل، واستثناءُ المجمل من الكلام المفصل يجعلُ ما بقي بعد الاستثناء مُجْملاً، إلاَّ أن المفسرِينَ أجْمعوا على أنّ المرادَ من هذا الاستثناءِ هو قوله :﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة : ٣] ووجهُ هذا أن قوله ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ﴾ يقتضي إحْلاَلَها لهم على جميع الوجوهِ، ثُمَّ بيَّن أنّها إنْ كانت مَيْتةً أو موقُوذةً أو مُتردِّيةً أو نَطيحةً أو افترسها السبعُ أو ذُبِحت على غير اسم الله فهي مُحرمةٌ.
وقوله :﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ معناه : أنه لما أحلّ بهيمة الأنعام، ذكر الفرقَ بين صيدها وغيره، فبيَّن أنَّ كُلَّ ما كان صَيْداً، فإنّه حلالٌ في الإحلالِ دُونَ الإحرامِ، وما لم يكنْ صيداً فإنّه حلالٌ في الحاليْنِ جَمِيعاً.
١٧٤
وظاهرُ هذه الآيةِ يَقْتضِي أنّ الصيد مُطْلقاً حَرَامٌ على المُحْرم، [إلاَّ أنَّه تعالى أباح في آيةٍ أخْرَى أنّ الصيدَ المحرَّمَ على المحْرِم] إنَّما هو صيدُ البَرِّ لا صيدَ البحرِ، بقوله تعالى :﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً﴾ [المائدة : ٩٦] فبيَّن ذلك الإطلاق.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ أيْ أنَّ الله تعالى أباح الأنعامَ في جميع الأحوالِ، وأباح الصيد في بعضِ الأحوالِ دُون بعضٍ، فلو قال قائلٌ : ما السببُ في هذا التفصيل والتَّخْصيصِ، كان جوابهُ : أنَّه تعالى مالك الأشياءِ وخالقها فلا اعْتراضَ عليه في حُكْمه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٦١
قوله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ﴾ الآية لما حَرّم [الله] الصيد على المحرم نَهَى في هذه الآيةِ عن مخالفةِ تكاليفِ الله تعالى.
قال المُفسِّرون : نزلتْ في الحطم، واسمُه : شُرَيْحُ بنُ ضُبَيْعَةَ البَكْرِيّ، " أتى المدينة، وخَلَّفَ خَيْلهُ خارجَ المدينةِ، ودخل وَحْدَه على النبي ﷺ، فقال [له :] إلام تدعُو الناس إليه ؟، فقال :" إلى شهادة أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاةِ "، فقال حسنٌ، إلاّ أنّ لي أمراء لا أقطعُ أمْراً دُونهم، ولَعَلِّي أسْلِمُ وَآتِي بهم، وقد كان النبي ﷺ قال لأصحابه :" يدخلُ عليكم رجلٌ مِنْ رَبيعَة يتكلم بلسانِ شَيْطان " ثم خرج شُرَيْحٌ منْ عنده، فقال رسول الله ﷺ :" لَقَدْ دَخَلَ بوَجْهِ كَافِر، وخرج بِقَفَا غَادِرٍ، وما الرَّجُلُ بِمُسْلمٍ "، فمرّ بِسَرْحِ المدينة فاسْتاقَه وانْطلقَ، فتَبعُوه وَلَمْ يُدْرِكُوه، فلما كان العامُ المقبلُ خرج حَاجًّا في حُجاج بَكْر بن وائلٍ مِنْ اليمَامَةِ، ومعه تجارةٌ عظيمةٌ، وقد قَلَّدُوا الهَدْي، فقال المسلمونَ للنبي ﷺ : هذا الحطم قد خرج حَاجًّا، فخلِّ بَيْنَنَا وبَيْنَهُ، فقال النبي ﷺ :" إنّه قَدْ قَلَّد الهديَ "، فقالوا : يا رسول الله هذا
١٧٥