شيءٌ كنا نفعله في الجاهلية، فأبَى النبي ﷺ " فأنزل الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ﴾ الآية.
قال ابن عباسٍ ومجاهدٌ : هي مناسِكُ الحج، وكان المشركون يَحُجُّونَ فيهدُونَ، فأراد المسلمون أن يُغِيرُوا عليهم فناههم الله عن ذلك.
وقال أبُو عُبَيْدَة :" شَعَائِرَ الله " هي الهَدَايَا [المُشْعَرةُ لقوله تعالى :﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج : ٣٦]، وهذا ضعيفٌ ؛ لأنَّه تعالى ذكر ﴿شَعَآئِرَ اللَّهِ﴾ ] ثم عطف عليها الهدايا، والمعطوفُ يجبُ أنْ يكون مُغَايِراً للمعطوف [عليه]، والإشعارُ من الشعار وهي العلامَةُ، وإشعارُهَا إعلامُهَا بما يُعْرَفُ أنَّها هَدْيٌ، والشَّعَائِرُ جَمْعٌ، والأكثرونَ على أنَّهُ جَمْعُ شَعيرَة.
وقال ابنُ فارسٍ : واحِدَتُهَا شِعَارةٌ، والشَّعِيرةُ : فَعِيلَةٌ بِمَعنى مفعلة والمُشْعَرَةُ : المُعْلَمَةُ، والإشْعَارُ : الإعلامُ، وكُلُّ شَيْءٍ أشْعرَ فقد أعْلم، وهو هاهنا أنْ يُطْعَنَ في صَفحةِ سنَان البَعير بحديدةٍ حَتّى يَسِيلَ الدَّمُ، فيكونَ ذلك علامَةً أنها هَدْيٌ، وهي سنَّةٌ في الهدايا إذَا كانَتْ من الإبل.
وقاسَ الشَّافِعِيُّ البَقَرَ على الإبل في الإشْعارِ، وأمّا الغنمُ فلا تُشْعَرُ بالجرح، فإنها لا تَحْتَمِلُ الجُرْحَ لِضَعْفِهَا.
وعند أبي حَنِيفَةَ لا يُشْعَرُ الهَدْيُ.
وروى عَطِيَّةُ عَنْ ابْنِ عباس :﴿لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ﴾ في أنْ تَصِيد وأنْتَ مُحْرم لقوله تعالى :﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ﴾.
وقال السُّدِّيُّ : أراد حرمَ الله، وقيل المرادُ النَّهْيُ عَنِ القتلِ في الحرمِ.
وقال عطاءُ :" شَعَائِرَ اللَّهِ " حُرُمَاتِ اللَّهِ.
١٧٦
ثم قال :﴿وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ أي بالقتال فيه، قال تعالى :﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة : ٣٦] فقيل هي : ذُو القَعْدَةِ وذُو الحَجَّةِ ومُحَرَّمٌ ورَجَب، فقوله :﴿وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ يجوزُ أنْ يكونَ المرادُ رجب، لأنَّه أكمل هذه الأشهرَ الأربعةَ في هذه الصفة.
وقال ابنُ زَيْدٍ : هي النَّسِيءُ ؛ لأنَّهُم كَانُوا يُحِلُّونَهُ عاماً ويُحَرِّمُونَه عَاماً.
قال :" وَلاَ الْهَدْي ".
قال الواحدي : الهدي ما أهْدِيَ إلى بَيْتِ اللَّهِ الحَرامِ مِنْ نَاقَةٍ أو بَقَرَةٍ أوْ شَاةٍ، وَاحِدُهَا هَدْيَةٌ بِتَسْكِينِ الدَّالِ، ويُقالُ [أيضاً] : هَدِيِّةٌ، وجمعها هَديّ قال الشاعر :[الوافر] ١٩١٧ - حَلَفْتُ برَبِّ مكَّة والمُصَلَّى
وأعْنَاقِ الهديِّ مُقَلَّداتِ
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٧٥
ونَظِيرُ هذِهِ الآيَةِ قولُهُ تعالى :﴿هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة : ٩٥]، وقولُهُ :﴿وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الفتح : ٢٥].
قَوْلُهُ سُبحانَهُ :﴿وَلاَ الْقَلا اائِدَ﴾ [أيْ : ولا ذَواتِ القَلاَئِد] عَطفٌ على الهَدْي مُبَالَغَةً في التوصية بها ؛ لأنَّها أشَرَفُ الهَدْي، كَقَوْلِهِ تعالى :﴿وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة : ٩٨] كأنَّهُ قِيلَ : وَذَواتِ القَلاَئِد] كأنَّهُ قِيلَ : وَذَواتِ القلائِدِ مِنْهَا خُصُوصاً.
قال القُرْطُبِيُّ : فَمَنْ قَالَ المرادُ بالشَّعَائِرِ المناسِكُ، قال : ذَكَرَ الهَدْي تَنْبيهاً عَلَى تَخْصيصه، ومَنْ قَالَ : الشَّعَائِرُ الْهَدْي قال : الشَّعَائِرُ مَا كَانَ مُشْعَراً، أيْ : مُعْلَماً بإسَالَةِ الدَّمِ من سنامه، والْهَدْي ما لم يُشعَر، [اكْتَفَى فِيهِ بالتَّقْلِيدِ، وقيل : الشعائرُ هي البُدنُ مِنَ الأنْعامِ، والْهَدْيُ البقر والغَنَمُ والثِّيَابُ وكُلُّ ما يُهدى].
وقال الجُمْهُور : الهَدْيُ عامٌّ في كُلِّ ما يُتقرّبُ به من الذَّبَائحِ والصَّدَقَاتِ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام :" المُبَكِّرُ للجُمُعَةِ كالمُهْدِي بَدَنة "، إلى أنْ قَالَ :" كالمُهْدِي بَيْضَة " فَسَمَّاهَا هَدْياً، وتسميةُ البَيْضَةِ هَدْياً إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الصَّدَقَةُ وكذلك قال العلماءُ : إذَا قالَ جعلتُ ثَوْبِي هَدْياً فَعَلَيْهِ أنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ ؛ إلاَّ أنَّ الإِطْلاَقَ يَنْصَرِفُ إلى أحَدِ الأصْنَافِ
١٧٧