الثَّلاثَةِ مِنَ الإبِلِ والْبَقَرِ والْغَنَمِ، وسَوْقُها إلى الْحَرَمِ وَذَبْحُهَا فِيهِ، وهَذَا إنَّما يُلَقَّى مِنْ عُرْف الشَّرع.
قال تعالى :﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة : ١٩٦] وأراد به الشَّاةَ، وقال :﴿هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة : ٩٥]، وأقَلُّهُ شاةٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.
وقال مَالِكٌ :" إذَا قَالَ : ثَوْبِي هَدْيٌ، يَجْعَلُ ثَمَنُهُ في هَدْيٍ ".
ويجوز أنْ يكونَ المرادُ " والقَلاَئِدَ " حَقيقَةً، ويكونُ فِيهِ مبالغَةٌ في النَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لِلْهَدْي المَقلَّدِ بِهَا، كقوله تعالى :﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ [النور : ٣١] ؛ لأنَّهُ نَهَى عَنْ إظْهارِ الزِّينةِ، فَمَا بالُكَ بِمَواضِعِهَا مِنَ الأعْضَاءِ، والقَلاَئِدُ : جَمْعُ قِلاَدَة وَهِيَ الَّتِي تُشَدُّ عَلَى عُنُقِ البَعيرِ.
وقالَ عَطَاءٌ : أرَادَ أصْحَابَ القَلاَئِدِ، وذلِكَ أنَّهُمْ كَانُوا في الْجَاهِلِيَّةِ إذَا أرَادُوا الخُرُوج مِنَ الحرمِ قَلَّدُوا أنْفُسَهُم وإبلَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ لِحَاءِ شَجَرِ الحرمِ، كَيْلاَ يُتعرَّض لَهُمْ، فَنَهى الشَّرْعُ عَنِ اسْتِحْلاَلِ شَيْءٍ مِنْهَا.
قوله تعالى :﴿وَلا اا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾.
أيْ : وَلاَ تُحِلُّوا قوماً آمين، أيْ : قَاصِدِينَ، ويَجُوزُ أنْ يكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أيْ : لا تُحِلُّوا قِتَالَ قَوْم [أوْ أذَى] قَوْمٍ آمِّينَ.
وقَرَأ عَبْدُ الله وَمَنْ تبعَهُ :" ولا آمِّي الْبَيْتِ الْحَرَامِ " بِحَذْفِ النّونِ، وإضَافَةِ اسْمِ الفَاعِلِ إلى مَعْمُولِهِ، والْبَيْتُ نُصِبَ على المفْعُولِ بِهِ بـ " آمين " [أيْ :] قاصِدِينَ الْبَيْتَ، وَلَيْسَ ظَرْفاً.
وَقولُهُ :" يَبْتَغُونَ " حالٌ مِنَ الضَّميرِ في " آمِّينَ "، أيْ : حَالَ كَوْنِ " الآمِّينَ " مُبْتَغِينَ فَضْلاً، وَلاَ يَجُوزُ أنْ تكُونَ هَذِهِ الجملةُ صِفَةٌ لـ " آمِّين " ؛ لأنَّ اسْمَ الفَاعِلِ مَتَى وُصِفَ بَطَلَ عَمَلُهُ على الصَّحيحِ.
وخَالَف الكُوفيُّونَ فِي ذلِكَ.
وأعْرَبَ مَكي هذه الجملة صِفَةً لـ " آمين "، ولَيْسَ بِجيِّدٍ لما تقدَّمَ، وكأنَّهُ تَبعَ في ذَلِكَ الكُوفِيِّين.
وهَاهُنَا سُؤالٌ، وهَوَ أنَّهُ لم لا قيل بجوازِ إعْمَالِهِ قَبْلَ وَصْفِهِ كَمَا فِي هَذِهِ الآيَةِ قِيَاساً
١٧٨
على المصْدَرِ، فإنَّه يعملُ قَبْلَ أنْ يُوصَفَ، نَحْو : يُعْجِبُنِي ضَرْبٌ زيداً شديدٌ.
والجُمْهُورُ عَلى " يَبْتَغُونَ " بيَاءِ الْغَيْبَةِ، وقَرَأ حُمَيْدُ بنُ قَيْسٍ، والأعْرَجُ " تَبْتَغُونَ " بِتَاءِ الخِطَابِ، على أنَّه خطابٌ للمؤمنينَ، وهي قلقَةٌ، لقوله :" مِنْ ربِّهمْ " وَلَوْ أُريد خطَابُ المؤمنينَ، لكانَ تَمامُ المناسَبَةِ ﴿تَبْتَغُون فَضْلاً مِنْ ربِّكُم﴾ و " من ربِّهمْ "، يجُوزُ أن يتعلَّقَ بِنَفْسِ الْفَعْلِ، وأنْ يتعلَّقَ بمَحْذُوفٍ على أنَّهُ صِفَةٌ لـ " فَضْلاً "، أيْ : فَضْلاً كَائِناً " مِنْ ربِّهِمْ ".
وقد تَقَدَّمَ الخلافُ في ضَمِّ رَاءِ " رُضْوَان " في آلِ عمران.
وإذا عَلَّقْنَا " مِنْ ربِّهمْ " بِمَحْذُوفٍ على أنَّهُ صِفَةٌ لـ " فَضْلاً "، فَيَكُون قَدْ حَذَفَ صِفَةَ " رِضْوَان " لِدلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ، أيْ : وَرِضْوَاناً مِنْ رَبِّهِم.
وَإذَا عَلَّقْنَاهُ بِنَفْسِ الفِعْلِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ.
فصل قِيلَ : المرادُ بـ " الفَضْل " الرِّزْقُ بالتِّجارَةِ و " الرِّضْوَانُ "، أيْ : عَلَى زَعْمِهِمْ ؛ لأنَّ الكَافِرَ لا نَصِيبَ لَهُ فِي الرِّضْوَانِ.
قال الْعُلَمَاءُ : المشركون كَانُوا يَقْصدُونَ بِحَجِّهِمْ رضْوَان اللَّهِ، وَإنْ كانُوا لا يَنَالُونَ ذَلِكَ فَلا يَبْعُدُ أنْ يَحْصُلَ لَهُمْ بسَبَبِ ذَلِكَ القصدِ نَوْعٌ مِنَ الْحُرْمَةِ.
وَقِيلَ : المرادُ بِفَضْلِ اللَّهِ الثَّوابُ، وبالرِّضْوانِ أنْ يَرْضَى اللَّهُ عَنْهم ؛ وذَلِكَ لأنَّ الْكَافِرَ وإنْ كان لا ينَالُ الفضْل والرِّضْوَان لَكِنَّهُ يَظُنُّ [أنَّهُ بِفِعْلِهِ طَالبٌ لهما] فَوُصِفَ بذلِكَ بِنَاءً على ظَنهِ، كقوله :﴿وَانظُرْ إِلَى إِلَـاهِكَ﴾ [طه : ٩٧]، وقوله :﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان : ٤٩].
فصل قال قَوْمٌ : هذه الآيةُ مَنْسُوخَةٌ ؛ لأنَّ قوله تعالى :﴿لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ يَقْتَضي حُرْمَةَ القِتَالِ [في] الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَذَلِكَ مَنْسُوخٌ يقُولُ اللَّهُ تعالى :﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة : ٥]، وقوله :﴿وَلا اا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ يَقْتَضِي حُرْمَة مَنْعِ
١٧٩