وُصِفَ الزمانُ بذلك مبالغةً كقولهم : نَهَارُهُ صَائِمٌ، ولَيْلُهُ قائم.
و " غَيْرَ " نُصبَ على الحال.
قال بعضُهم : يَنْتَصِبُ بمحذوفٍ مُقَدَّرٍ على معنى : فيتناول غَيْر مُتجانِفٍ، ويجوز أن يَنْتَصِبَ بقوله :" اضْطُرَّ " ويكونُ المقدرُ متأخراً.
والجمهور على " مُتجَانِفٍ " بألف وتخفيف النون من " تَجَانَفَ ".
وقرأ أبُو عبدِ الرحمن والنَّخَعِيُّ " مُتَجنِّفٍ " بتشديدِ النُّونِ دُونَ ألفٍ.
قال أبو مُحمدِ بن عَطِية : وهي أبْلَغُ من " متجانف " في المعنى ؛ لأنَّ شِدّةَ العينِ تدلُ على مُبالغةٍ وتوغُّلٍ في المعنى.
و " لإثم " متعلّق بـ " متجانف "، واللام على بابها.
وقيل : هي بمعنى " إلى " أي غَيْرَ مائِلٍ إلى إثْمٍ ولا حاجة إليه.
وقد تقدم معنى هذا واشتقاقها عند قوله :﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً﴾ [البقرة : ١٨٢].
قال القُرْطبي : هو معنى قوله :﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ﴾ [البقرة : ١٧٣]، ومعنى " الإثم " هاهنا أنْ تأكُلَ فوق الشِّبَع تلذُّذاً في قولِ أهل " العراق ".
وفي قولِ أهْلِ " الحجازِ " : أنْ تكُون عَاصِياً.
قال قتادةُ : غَيْرَ مُتَعرِّضٍ لمعْصِية في مقصده.
وقوله :﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ جُمْلةٌ، إمَّا في محلِ جَزْمٍ، أو رفعٍ على حَسَبِ ما قيل في " مَنْ "، وكذلك القول في الفاء إما واجبةٌ أو جائزةٌ، والعائدُ على كِلاَ التقديرين محذوفٌ، أيْ :" فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ " له، [يعني] : يَغْفِرُ له أكْلَ المُحَرَّمِ عند الاضطرارِ " رَحِيمٌ " بعباده،
٢٠٢
حَيْثُ أحَلَّ لهم ذلك المحرمَ عند احتياجهم إلى أكْلِهِ، وهذا مِنْ تَمام ما تقدم ذكره في المطاعِمِ التي حَرَّمَها الله تعالى، يَعْنِي : إنها وإنْ كانت مُحرمةً إلا أنها تحل في حالِ الاضطرارِ، ومن قوله :" فِسْق " إلى هاهنا - اعتراضٌ وقع في النَّسَقِ، والغَرَضُ منه تأكيدُ ما ذُكِر مِنْ مَعْنى التحريم، فإن تحريم هذه الخبائثِ من جملةِ الدِّينِ الكاملِ والنعْمةِ الثابتةِ والإسلامِ الذي هو الدينُ المرضيُّ عند الله تعالى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٨٧
قوله تعالى :﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ﴾ الآية.
وهذا أيضاً مُتَّصِلٌ بما قَبْلَهُ من ذِكْرِ المطعُومَاتِ، وقد تقدم الكلامُ على " مَاذَا " [وما قيل فيها فليلتفت إليه].
وقوله :" لَهُمْ " بلفظ الغَيْبَةِ لتقدمِ ضَميرِ الغَيْبةِ في قوله تعالى :" يَسْألُونَكَ ".
ولو قيل في الكلام : ماذا أحِلَّ لنا ؟ لكان جائزاً على حكايةِ الجملةِ، كقولك : أقْسَمَ زَيْدٌ ليَضرْبَنَّ ولأضربَنَّ، بلفظ الغيبة والتكلمِ، إلا أن ضمير المتكلّمِ يَقْتَضي حكايةَ ما قالوا : كما أن " لأضربن " يقتضي حكاية الجملة المقسم عليها، و " ماذا أحِلّ ؟ " هذا الاستفهامُ معلّق للسؤال، وإن لم يكن السؤالُ من أفعالِ القُلُوبِ إلاَّ أنَّهُ كان سبب العلم، والعلم يعلق، فكذلك سببهُ، وقد تقدم تحريره في " البقرة ".
وقال الزمخشري هنا : في السؤال معنى القول، فلذلك وقع بعده ماذا أحل لهم، كأنه قيل : يقولون : ماذا أحل لهم، ولا حاجة إلى تضمين السؤال معنى القول ؛ لما تقدم من أن السؤال يعلق بالاستفهام كمسببه.
وقال ابن الخطيب : لو كان حكاية لكلامهم لكانوا قد قالوا : ماذا أحلَّ لهم، ومعلوم أن ذلك باطل لا يقولونه، وإنما يقولون ماذا أحِلَّ لنا، بل الصحيح أنه ليس حكاية لكلامهم، بل هو بيان كيفية الواقعة.
قال القُرْطُبي :" مَا " فِي مَوْضِعِ رفعٍ بالابتداء، والخبرُ " أُحِلَّ لَهُمْ "، و " ذَا " زَائِدَةٌ وإنْ شِئْتَ كانت بمعنى " الذي "، ويكون الخبر {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ".
٢٠٣