يَمَّمَ الأكْثَر جَازَ ؛ لأن " البَاء " في قوله :" بِرُؤوسِكُمْ " يَقْتَضِي مَسْحَ البَعْضِ، فكذا هَاهُنَا.
فصل في صفة التراب إذا لَمْ يَكُن لِلتُّرابِ غُبَارٌ يَعْلَقُ بالْيَدِ لم يَجُزِ التَّيَممُ به وهو قَوْل الشَّافِعِيِّ وأبي يُوسُف، وقال أبُو حَنيفَة ومالِكٌ :[يجزئه، وقال الشافعي : لا يجُوزُ التِّيَمُّمُ إلا بالتُّرَابِ الخَالِصِ، وقال أبو حنيفَة] : يَجُوزُ بالتُّرَاب وبالرَّمْلِ وبالخَزَفِ المَدْقُوقِ والجَصِّ والمدر والزَّرنِيخ.
لنا : ما روى ابْنُ عبَّاسٍ أنه قال :" الصَّعِيدُ هُو التُّرَابُ ".
فصل لو وَقَفَ في مَهَبِّ الرِّيَاحِ، فَسَفَتْ عليه التُّرابَ وأمَرَّ يَدَهُ [عليه] أوْ لَمْ يُمِرَّهَا، فظَاهِرُ مَذْهَب الشَّافِعِيّ أنَّهُ لا يَكْفي.
وقالَ بَعْضُ المُحَقِّقين : إنَّهُ لا يَكْفِي ؛ لأنَّهُ قَصَدَ اسْتِعْمال الصَّعيدِ في أعْضَائِهِ.
فصل قال الشَّافِعِيُّ وأحمَد : لا يجُوز التَيَمُّمُ إلا بَعْدَ دُخُول الوَقْتِ، لقوله :﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ﴾ [والقِيَامُ إلى الصلاة] لا يكُونُ إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ وقتها.
فصل إذَا ضَرَب ثَوْباً فارْتَفَع مِنْهُ غُبَارٌ، فقال أبُو حنيفة : يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، وقال أبُو يُوسف : لا يَجُوزُ.
فصل لا يُجُوزُ التَّيَمُّمُ بتُرَابٍ نَجِسٍ، لقوله تعالى :﴿فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً﴾ والنَّجِسُ لا يكُونُ طيِّباً.
وفُرُوع [التَّيَمُّم] كثيرة مَذْكُورَةٌ في كُتُبِ الفِقْهِ.
قوله - سبحانه - " مِنْهُ " في مَحَلِّ نَصْبٍ مُتَعَلِّقاً بـ " امْسَحُوا "، و " مِنْ " فيها وجهان : أظْهَرُهُمَا : أنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ.
٢٣٧
والثاني : أنَّها لابْتِدَاء الغَايَةِ، ولهذا لا يُشْتَرَطُ عند هؤلاءِ أنْ يتعلَّقَ [باليَدِ] غُبَارٌ.
وقوله تعالى :" لِيَجْعَلَ " : الكلام في هذه " اللاَّم " كالكلام عَلَيْهَا في قوله ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ [النساء : ٢٦]، إلا أنَّ مَنْ جَعَل مَفْعُولَ الإرَادَةِ مَحْذوفاً، وعلَّق به " اللاَّم " من " لِيَجْعَلَ " زاد " من " في الإيجَابِ في قوله :" مِنْ حَرَجٍ "، وسَاغَ ذَلِكَ ؛ لأنَّهُ في حَيِّزِ النَّفْي، وإنْ لَمْ يَكُنِ النَّفْي واقعاً على فِعل الحَرَجِ، و " مِنْ حَرَجٍ " مَفْعُولٌ " لِيَجْعَلَ ".
و " الجَعْلُ " : يحتمل أنَّهُ بمعنى الإيجَادِ والخَلْقِ، فَيَتَعَدَّى لواحد وهو " مِنْ حَرَجٍ " و " من " مزيدة فيه كما تقدَّم، ويتعَلّق " عَلَيْكُم " حينئذٍ بالجَعْلِ، ويجُوزُ أن يتعلَّق بـ " حَرَجٍ ".
فإن قِيلَ : هُو مَصْدَرٌ، والمَصْدَرُ لا يَتَقَدَّم معمولُه عليه، قيل : ذلك في المَصَدرِ المُؤوَّلِ بحَرْفٍ مَصْدَرِيٍّ وفعل، لأنه بِمَعْنَى المَوْصُول، وهذا لَيْسَ مُؤوَّلاً بِحَرْف مَصْدَرِيٍّ، [ويجُوز أن يكون الجَعْلُ بِمَعْنَى التَّصْيير]، فَيَكُون " عَلَيْكُم " هُوَ المَفْعُول الثَّانِي.
فصل في معنى الآية المَعْنَى ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم﴾ : بما فَرَضَ من الوُضُوء والغُسْلِ والتَّيَمُّمِ، " من حَرَجٍ " : من ضِيق، " وَلَـاكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ " : من الأحْدَاثِ والجَنَابَات والذُّنُوبِ.
فصل قالت المعتزِلَةُ : دلَّت هذه الآيَةُ على أنَّ الأصْلَ في المضارِّ ألاَّ تكون مَشْرُوعَةً، فإنَّه تعالى ما جعل عَلَيْنَا في الدِّين مِنْ حَرَجٍ، وقال تعالى :﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة : ١٨٥]، وقال - عليه الصلاة والسلام - :" لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ في الإسلام " وأيْضاً فَدَفْع الضَّررِ مُسْتَحْسَنٌ في العُقُول، فوجَبَ أن يَكُونَ كَذَلِكَ في الشَّرع.
قوله - سبحانه - :﴿وَلَـاكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ﴾.
اخْتَلَفُوا في تَفْسِير هذا التَّطْهِير، قال جُمْهُور الحَنفيَّةِ : إنَّ عند خُرُوجِ الحَدَثِ تنجس الأعْضَاءُ نَجاسَةً حُكْمِيَّةً، والمَقْصُود من هذا التَّطْهِير إزَالَةُ [تلك] النجاسَةِ الحُكْمِيَّةِ، وهذا بَعِيدٌ لِوُجُوه : إحداها : قوله تعالى :﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة : ٢٨]، وكَلِمَةُ " إنَّما " للِحَصْر، وهذا يَدُلُّ على أنَّ المُؤمن لا تَنْجُسُ أعْضَاؤُه.
٢٣٨


الصفحة التالية
Icon