- كان يُولَدُ له [في كل بطن] غلام وجارية وكان يزوِّج [تلك] البِنْت من البَطْن بالغلام من بَطْن آخر، فولد له قَابِيل [وتوأمته، ] قال الْكَلْبيُّ : وكان اسْمُهَا " إقْلِيمِياء " -، وبعدهما هَابِيل وتَوْأمَته وكانت تَوْأمَةُ قابيل أحْسَنَ النَّاسِ وجهاً، فأراد آدَم - عليه السلام - أن يُزَوِّجَهَا من هَابِيل، فأبى قَابِيل وقال : أنا أحَقُّ بِهَا وهو أحق بأخته وليس هذا من اللَّه وَإنَّمَا هو رَأيُكَ، فقال آدمُ - عليه السلام - لهما : قَرِّبَا قرباناً فأيُّكُمَا قبل قُرْبانه زَوَّجْتُها منه، فَقَرَّبَا قُرْبَانَيْن، فَقَبِلَ اللَّهُ قُرْبَانَ هَابِيلَ بأن أنْزل على قُرْبَانه ناراً فازداد قابيل حَسَداً له.
قال القُرْطُبِيُّ : وَرُوِيَ عن جَعْفَرٍ الصَّادِقِ - رَضي الله عَنْهُ - " أنَّ آدم - عليه السلام - لم يكن يُزَوِّجُ ابنته من ابنه، ولو فعل ذلك ما رَغِبَ عنه النَّبي ﷺ، ولا كان دين آدم عليه السلام إلاَّ دين النبي صلى الله عليه وسلم...
"، وذكر قَصَّته.
قال القُرْطُبِيُّ : وهذه القِصَّة عن جَعْفَرٍ ما أظُنُّهَا تَصِحُّ، وأنه يزوِّجُ غلام هذا البَطْنِ إلى البَطْن الآخر، بدليل قوله تعالى :﴿ يا أيها النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً﴾ [النساء : ١]، وهذا كالنصِّ ثم نسخ ذلك على ما تقدم بيانه في " سورة البقرة " وكان جميع ما ولدته حَوَّاءُ أربعين ولداً ذكراً، وأنثى : عِشْرين بطناً أوَّلُهُم قابيل، وتوأمته إقليمياء وآخرهم عَبْدُ المُغِيثِ، ثم بارك الله في نسل آدم - عليه الصلاة والسلام -.
وعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - : لم يمت آدم - عليه السَّلام - حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألْفاً.
والقول الثاني : وهو قول الْحَسَنِ والضَّحَّاك : أنَّ ابْنَيْ آدَمَ اللذين قَرَّبا القربان ما كانا ابْنَيْ آدم لِصُلْبِهِ، وإنما كانا رَجُلَيْن من بني إسرائيل [كانت بينهما خُصُومة، ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل] ؛ لقوله تعالى في آخر القصَّة :﴿مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً﴾ [المائدة : ٣٢].
وصدور الذنب من ابني آدم، لا يصلح أن يكون سَبَباً لإيجاب القِصَاص عليهم زَجْراً لهم عن المُعَاودَة إلى مثل هذا الذَّنب، ويَدُلُّ عليه أيضاً أنَّ المقصود من هذه القِصَّة : بيان أنَّ اليَهُود من قديم الدَّهر مُصِرُّونَ على التَّمَرُّدِ والحسد حتى بلغ بهم هذا الحَسَد إلى أن أحدهما لما قَبِلَ اللَّهُ قربانه حَسَدَه الآخر وقتله، ولا شكَّ أن هذا ذَنْبٌ عَظِيمٌ.
فإنَّ قَبُولَ الْقُرْبَانِ ممَّا يدل [عليه أن صَاحِبَه] حسن الاعتقاد [وأنه] مقبول عند اللَّه - تعالى - فَتَجِبُ المُبَالَغَةُ في تَعْظِيمه، فلما أقدم على قَتْلِهِ [وَقَتَلَهُ] مع هذه الحالة دَلَّ ذلك على أنَّهُ قد بَلَغَ في الحَسَد أقصى الغايات، وإذا كان المرادُ أنَّ الحسَد داءٌ قديمٌ في بَنِي إسْرَائِيلَ، وجب أن يقال :[هذان الرَّجلان] كانا من بَنِي إسْرَائيلَ، والصَّحيح الأول ؛ لأنَّ القاتل جهل ما يَصْنَع بالمقَتُول، حتى تعلَّم ذلك من عَمَل الغراب ولو كان من بَنِي إسرائيلَ لما خَفِي عليه هذا الأمْر - والله سبحانه أعلم -.

فصل قوله تعالى :" بالحقِّ " فيه ثلاثةُ أوجهٍ :


٢٨٤


الصفحة التالية
Icon