في الأرْضِ [مع ما في الأرض] إن جعلت الضَّمِير في " مَعَه " عائِداً على " مَا " يكون معه حَالاً من " مِثْله ".
وإذا كان مَا في الأرض مع مثله كان مثله معه ضرورة، فلا فائدة في ذكر " معه " لملازمة معيّة كل منهما للآخر.
وإن جعلت الضمير عائداً على " مثله "، أي : مع مثله مع ذلك المثل، فيكون المعنى مع مِثْلَيْنِ، فالتَّعْبِير عن هذا المَعْنَى بتلك العِبَارة عَيِيٌّ ؛ إذ الكلام المُنْتَظِم أن يكون التَّركيب إذا أُريد ذلك المعنى مع مِثْلَيْهِ.
وقول الزَّمَخْشَرِي :" فإن قُلْت " إلى آخِر الجواب [هذا السؤال] لا يرد ؛ لأنَّا قد بَيَّنَّا فسادَ أن يكون " الوّاو " واو " مَعَ "، وعلى تقدِير وُرودِه فهذا بناء منه على أنَّ [ " أن " ] إذا جاءت بعد " لَوْ " كانت في مَحَلِّ رفع بالفاعليّة، فيكون التقدير على هذا لو ثَبَتَ كينونة ما في الأرْضِ مع مثله لهم لِيَفْتَدُوا به، فيكون الضَّمِير عائِداً على " مَا " فقط.
وهذا الذي ذكره هو تَفْريعٌ منه على مذهَب المُبَرِّد في أنَّ " أن " بعد " لَوْ " في محل رفع على الفاعليَّة، وهو مذهب مرجُوحٌ، ومذهب سيبويه : أن " أنَّ " بعد " لَوْ " في محلِّ رفع مُبْتَدأ.
والذي يظهر من كلام الزَّمخْشَرِي هنا وفي تصانيفه أنَّهُ ما وَقَفَ على مذهب سيبويْه في هذه المسألة.
وعلى المفرع على مذهَب المُبَرِّد لا يجوز أن تكون " الوَاوُ " بمعنى " مَعْ " والعامِلَ فيها " ثَبَتَ " المقدَّرة لما تقدم من وجود لفظة " مَعَهُ "، وعلى تقديره سُقُوطها لا يصحُّ ؛ لأن " ثَبَتَ " ليس رَافِعاً لـ " مَا " العائد عليها الضمير وإنما هو رَافِعٌ مصدراً مُنْسَبكاً من " أن " وما بعدها، وهُو كونُ ؛ إذ التقدير لو ثَبَتَ كون ما في الأرض جَمِيعاً لهم ومِثْله معه لِيَفْتدُوا به، والضمير عَائِد على [ما] دُون الكوْنِ، فالرَّافِع الفاعِل غير النَّاصب للمفعُول معه، إذ لو كان إيَّاه للزم من ذلك وجود الثُّبُوت مُصَاحباً للمثل [والمعنى على كينونة ما في الأرض مُصاحباً للمثل، لا على ثُبُوت ذلك مُصَاحِباً للمثل، ] وهذا فيه غُمُوض.
وبيانُهُ : أنَّك إذا قلت :" يُعْجِبُني قيام زَيْد وعَمْراً "، جعلت " عمراً " مفعُولاً معه، والعامِلُ فيه " يُعْجُبني " [لزم] من ذلك أن " عَمْراً " لم يَقُمْ، وأعجبك القِيَامُ وعمرو.
٣١٥
وإن جَعَلْتَ العامل فيه القِيَام : كان عمرو قَائِماً، وكان الإعْجَاب قد تعلَّق بالقيام مصاحباً لقيام عَمْرو.
فإن قلت : هلاّ كان " ومِثْلَهُ مَعَهُ " مفعولاً معه، والعامِلُ فيه هو العَامِلُ في " لَهُمْ " ؛ إذ المَعْنَى عليه ؟.
قلت : لا يَصِحُّ ذلك لِمَا ذكرْنَاه من وجود " مَعَهُ " في الجُمْلَة، وعلى تقديرِ سُقُوطِهَا لا يصحُّ ؛ لأنَّهُم نَصُّوا على أنَّ قولك :" هَذَا لَكَ وأبَاك " ممنوع في الاختيار.
قال سيبويْه : وأما " هَذَا لَكَ وأبَاك " فَقَبيحٌ ؛ لأنَّه لم يذكر فِعْلاً ولا حَرْفاً فيه معنى فعل حتى يَصِير كأنَّه قد تكلَّم بالفعل، فأفْصَح سيبويه بأن اسْم الإشَارَة وحرف الجر المتضمن [المعنى الاستقرار لا يعملان في المفعول معه وقد أجاز بعض النحويين في حرف الجر والظرف أن يعملا] نحو " هذا لك وأباك ".
فقوله :" وأبَاكَ " يكون مفعُولاً مَعَهُ، والعَامِلُ الاستِقْرَار في " لَكَ ".
انتهى.
ومع هذا الاعتراض الذي ذكره، فقد يَظْهر عنه جوابٌ، وهو أنَّا نقول : نختار أن يكون الضَّمِير في قوله :" مَعَهُ " عائداً على " مِثْله " ويَصِيرُ المعنى : مع مِثْلَين، وهو أبْلَغُ من أن يكون مع مِثْل واحد.
وقوله :" تَرْكِيبٌ عَيِيٌّ " فَهْم قَاصِرُ، ولا بُدَّ من جُمْلَةٍ محذُوفَة قَبْل قوله :﴿مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ﴾ تقديره : وَبذَلُوه، أو وافْتَدُوا به، ليصِحَّ التَّرْتيب المذكُور ؛ إذ لا يترتَّب على اسْتِقْرَار ما فِي الأرْض جَمِيعاً ومثله معه لهم عدم التَّقبُّل، إنما يترتَّب عدم التَّقَبُّل على البَذلِ والافْتِدَاء والعامَّة على " تُقُبِّل " مبنياً [للمفعول حذف فاعله لعظمته وللعلم به.
وقرأ يزيد بن قطيب :" ما تقبَّل " مبنياً للفاعل] وهو ضميرُ البَارِي تبارك وتعالى.
قوله [تعالى] " ولَهُمْ عَذابٌ " مبتدأ وخبرُهُ مُقَدَّمٌ عليه، و " ألِيمٌ " صفته بمعنى : مُؤلِمٌ، وهذه الجُمْلَة أجَازُوا فيها ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون حالاً، وفيه ضَعْفٌ من حيث المعنى.
المعنى الثاني : أن تكون في مَحَلِّ رفع عَطْفاً على خَبَرِ " أن " أخبر عن الذين كفروا بخبرين لو استقرَّ لَهُمْ جَمِيعُ ما في الأرضِ مع مثله فَبَذلُوه، لم يُتَقَبَّلْ مِنْهُم وأنَّ لهم عَذَاباً أليماً.
الثالث : أن تكون مَعْطُوفة على الجُمْلَة من قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾، وعلى هذا فلا مَحَلَّ لها ؛ لِعَطْفها على ما لا مَحَلَّ له.
٣١٦


الصفحة التالية
Icon