والشِّرْعَةُ في الأصْل " السُّنَّة "، ومنه :﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ﴾ [الشورى : ١٣]، أي : سن [لكم وبيَّنَ ووَضَّحَ].
والشَّارع : الطريق، وهو من الشَّريعة التي هي في الأصْلِ : الطَّريق المُوصِّلُ إلى الماء، وقال ابن السِّكِّيت : الشَّرْع مصدر شَرَعْت الإهَاب، أي : شَقَقْتُهُ وسَلَخْتُه، وقيل : مأخوذٌ من الشُّروع في الشَّيء : وهو الدُّخُول فيه.
ومنه قول الشاعر :[البسيط] ١٩٧٣ - وفِي الشَّرَائِعِ مِنْ جلاَّنَ مُقْتنِصٌ
بَالِي الثِّيَابِ خَفِيُّ الصَّوْتِ مُنْزَرِبُ
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
والشَّريعة : فَعِيلة بمعنى المَفْعُولة : وهي الأشيَاءُ التي أوْجب اللَّه تعالى على المكلَّفِين أن يشرعوا فيها، والمِنْهاجُ مشتقٌّ من الطَّريق النَّهْج وهو الوَاضِح.
ومنه قوله :[الرجز] ١٩٧٤ - مِنْ يَكُ ذَا شَكٍّ فَهَذَا فَلْجُ
مَاءٌ رَوَاءٌ وطريقٌ نَهْجُ
أي : وَاضِح، يقال : طَرِيق مَنْهَج ونَهْج.
وقال ابن عطية : منهاج مثال مُبالغة، يعني قولهم :" إنَُّه لَمِنْحَارٌ بَوَائكَهَا " وهو حسنٌ، [وهل الشِّرْعَة] والمنهاج بمعنى كقوله :[الطويل] ١٩٧٥ -..........................
وَهِنْدٌ أتَى مِنْ دُونِهَا النَّأيُ والبُعْدُ
[الوافر] ١٩٧٦ -..........................
وَألْفَى قَوْلَهَا كَذِباً وَمَيْنا
أو مُخْتَلفَان ؟ فالشِّرْعَةُ : ابتداءُ الطَّريق، والمِنْهَاج الطَّريق المستمِرُّ، قاله المبرِّد، أو الشِّرْعةُ : الطَّرِيق وَاضِحاً كان أو غَيْر وَاضِح، والمنْهَاجُ : الطريق الوَاضِحُ فقط، فالأوَّل أعمُّ.
قاله ابن الأنباري، أو الدِّين والدَّلِيل ؟ خلافٌ مشهور.
فصل في معنى الآية قال ابنُ عبَّاس، ومُجَاهِد، والحسن - رضي الله عنهم - معنى قوله :﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا
٣٧٠
مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ أي : سَبِيلاً وسُنَّة، وأراد بهذا أن الشَّرَائع مختلِفَةٌ ولكلِّ أمَّة شرِيعة.
قال قتادة : الخِطَاب للأمُمِ الثَّلاث : أمَّة مُوسَى، وأمَّة عيسى، وأمَّة محمد - صلوات الله وسلامُهُ عليهم - لتقدُّم ذِكرهم.
فإن قيل : قد وردتْ آياتٌ تدلُّ على عدم التَّبَايُن في طريقة الأنبياء - عليهم السلام - كقوله تعالى :﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً﴾ [الشورى : ١٣] إلى قوله تعالى :﴿أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ﴾ [الشورى : ١٣] وقال تعالى ﴿أُوْلَـائِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام : ٩٠]، وآياتٌ دلَّت على التَّبَايُن في هذه الآية فكيف الجَمْع ؟ فالجواب : أنَّ الأوَّل يَنْصَرِفُ إلى أصُول الدِّيَانَاتِ.
والثاني ينصرف إلى الفُرُوع.
واحتجَّ أكثر العُلَمَاء بهذه الآية على أنَّ شرع من قبلنا لا يلزمنا ؛ لأنَّها تدلُّ على أنَّ لكلِّ رَسُولٍ شريعَةٌ خاصَّةٌ.
قوله تعالى :﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، أي : جماعة مُتَّفِقَة على شريعة واحِدة، أو ذَوِي أمة واحدة، أو دِين واحد لا اخْتِلاَف فيه.
قال أهل السُّنَّة : وهذا يدلُّ على أن الكُلَّ بِمَشِيئَةِ الله - تعالى -، والمعتزِلَة : حَمَلُوهُ على مَشِيئَة الإلْجَاء.
قوله تعالى :" ولَكِنْ لِيَبْلُوكُمْ " متعلِّق بِمَحْذُوف، فقدَّرَهُ أبو البقاء :" ولكن فرَّقكم لِيَبْلُوَكُم ".
وقدَّره غيره " ولكن لم يَشْأ جَعْلكم أمَّة واحِدة ".
قال شهاب الدين : وهذا أحْسَن ؛ لدلالة اللَّفْظ والمعنى عليه.
ومعنى " لِيَبْلُوكُمْ " : ليختبركم، " فِيمَا آتَاكُم " : من الكُتُب وبيَّن لكم من الشَّرائع، فبيّن المُطِيع من العَاصِي، والمُوَافِق من المُخَالِف، " فاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ " فبادروا إلى الأعْمَال الصَّالحة قوله تعالى :﴿إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ استئناف في معنى التَّعْليل لاستِبَاقِ الخَيْرَاتِ.
٣٧١