سورة البقرة
نزلت في مدد شتى.
وقيل : هي أول سورة نزلت ب "المدينة" إلا قوله تعالى :﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله﴾ [البقرة : ٢٨١] فإنها آخر آية نزلت، ونزلت يوم النحر في حجة الوداع ب "منى"، وآيات الربا أيضا من أواخر ما نزل من القرآن.
قال خالد بن معدان : ويقال لها : فسطاط القرآن.
وتعلمها عمر _ رضي الله عنه _ بفقهها، وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة، وابنه عبد الله في ثماني سنين.
قال ابن العربي رضي الله عنه :"سمعت بعض أشياخي يقول : فيها ألف أمر، وألف نهي، وألف حكم، وألف خبر".
وهي مائتان وستة وثمانون آية، وستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة، وخمسة وعشرون ألفا وخمسمائة حرف.
عن سهل بن سعد _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله ﷺ :"إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته نهارا لم يدخله شيطان ثلاثة أيام، ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخله شيطان ثلاث ليال".
وعن أبي هريرة _ رضي الله تعالى عنه _ قال : بعث النبي _ ﷺ _ بعثا ثم أتبعهم بسفر، فجاء إنسان منهم فقال :"ما معك من القرآن ؟ " حتى أتى على أحدثهم سنا فقال له :"ما معك من القرآن ؟ " قال : كذا وكذا، وسورة البقرة فقال :"اخرجوا وهذا عليكم أمير" فقالوا : يا رسول الله هو أحدثنا فقال :"معه سورة البقرة".
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٧
إن قيل : إن الحروف المقطّعة في أوائل السور أسماء حروف التهجَّي، بمعنى أن الميم اسم لـ " مه " والعين لـ " عَه "، وإن فائدتها إعلامهم بأن هذا القرآن منتظمٌ من جنس ما تنتظمون من كلامهم، ولكن عجزتم عنه، فلا محلّ لها حينئذ من الإعراب، وإنما جيء بها لهذه الفائدة، فألقيت كأسماء الأعداد ونحو :" واحد اثنان "، وهذا أصح الأقوال الثلاثة، أعني أن في الأسماء التي لم يقصد الإخبار عنها ولا بها ثلاثة أقوال : أحدها : ما تقدم.
والثاني : أنها معربة، بمعنى أنها صالحة للإعراب، وإنما فات شرطه وهو التركيب، وإليه مال الزمخشري رحمه الله.
والثالث : أنها موقوفة أي لا معربة ولا منيبةٌ.
أو إن قيل : إنها أسماء السور المفتتحة بها، أو إنها بعض أسماء الله - تعالى - حذف بعضها، وبقي منها هذه الحروف دالّة عليها وهو رأي ابن عبّاس - رضي الله تعالى عنهما - كقوله : الميم من " عليهم "، والصاد من " صادق "، فلها حينئذ محلّ من الإعراب ويحتمل الرفع والنصب والجر : فالرفع على أحد وجهين أيضاً : إما بإضمار فعلٍ لائقٍ، تقديره : اقرءوا :" الم "، وإما بإسقاط حرف القسم ؛ كقول الشاعر :[الوافر] ٩٧ - إِذا مَا الْخَبَزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ
فَذَاكَ أَمَانَةَ اللهِ الثَّريدُ
٢٥١
يريد : وأَمَانَةِ الله.
وكذلك هذه الحروف أقسم الله بها.
وقد رد الزَّمَخْشَرِيّ هذا الوجه بما معناه : أنّ القرآن في :﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ [ص : ١] وللقلم في ﴿نا وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم : ١] محلوف بهما لظهور الجرّ فيهما، وحينئذ لا يخلو أن تُجْعَل الواو الداخلة عليها للقسم، أو للعطف، والأول يلزم منه محذور، وهو الجمع بين قسمين على مقسم قال :[وهم يستكرهون] ذلك.
والثاني ممنوع، لظهور الجَرِّ فيما بعدها، والفرض أنك قدرت المعطوف عليه من مَحَلّ نصب، وهو ردّ واضح، إلا أن يقال : في محلّ نصب إلا فيما ظهر فيه الجر [فيما بعده] كالموضعين المتقدمين ؛ ﴿حما وَالْكِتَابِ﴾ [الزخرف : ١ - ٢]، و ﴿ق وَالْقُرْآنِ﴾ [ق : ١] ولكن القائل بذلك لم يفرق بين موضع وموضع، فالرد لازم كله.
والجَرِّ من وجهٍ واحدٍ، وهو أنها مقسمٌ بها، حذف حرف القسم، وبقي عمله كقولهم :" اللهِ لأفعلنَّ " أجاز ذلك الزمخشري، وأبو البقاء رحمهما الله، وهذا ضعيف ؛ لأن ذلك من خصائص الجَلاَلَة المعظمة لا يشاركها فيه غيرها.
فتخلص مما تقدم أن في " الم " ونحوها ستة أوجه وهي : أنها لا محل لها من الإعراب، أوْ لَهَا محل، وهو الرفع بالابتداء، أو الخبر.
والنَّصب بإضمار فعل، أو حذف حرف القسم.
والَجرّ بإضمار حرف القسم.
٢٥٢
فصل في الحروف المقطعة سئل الشعبي - رحمه الله تعالى - عن هذه الحروف فقال : سرّ الله، فلا تطلبوه.
وروى أبو ظِبْيَانَ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : عجزت العلماء عن إدْرَاكِهَا، وقال الشعبي وجماعة رحمهم الله سائر حروف التهجّي في أوائل السور من المتشابهة الذي استأثر الله بعلمه، وهي سرّ القرآن ؛ فنحن نؤمن بظاهرها، ونَكِلُ العلمَ فيها إلى الله تعالى.
قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه :" في كل كتاب سِرّ " وسرُّ الله - تعالى - في القرآن أوائل السور ".
ونقل ابنُ الخَطِيِبِ رحمه الله أن المتكلمين أنكروا هذا القول، وقالوا : لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما لاَ يَكُونُ مفهوماً للخلق، واحتجوا عليه بآيات منها : قوله تبارك وتعالى :﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ [محمد : ٢٤] بالتدَّبر في القرآن، ولو كان غير مفهوم، فكيف يأمر بالتدبّر فيه.
٢٥٣