لأنَّ " بَعْضَ " نُصَبَ بالعَلَمِ ؛ لأنَّه في معنى أنا المشهور.
عَمَلُهَا على سبيل التَّنَازُع، مع أنه لو سَكَتَ عن الجواب واضحاً.
ولما ذكر أبو حيَّان ما قاله الزَّمخْشَريُّ قال :" فانظر كيف قدّرَ العامِلَ فيها واحِداً لا جميعها ".
يعني : أنَّهُ اسْتنْصَرَ به فيما ردَّ على الزَّجَّاج، وابن عطية.
الوجه الثاني : أن " في السَّمَوَات " متعّلق بمحذوفِ هو صِفَةٌ لله تعالى حُذِفت لفهم المَعْنَة، فقدَّرها بعضهم : وهو الله المعبود، وبعضهم : وهو اللَّهُ المُدَبِّرُ، وحذفُ الصِّفة قليلٌ جداً لم يَرِدْ منه إلاَّ مواضع يسيره على نَظَرٍ فيها، فمنها ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ﴾ [الأنعام : ٦٦] أي : المعاندون، ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود : ٤٦] أي : النَّاجين، فلا ينبغي أن يُحْمَلَ هذا عليه.
الوجه الثالث : قال النَّحَّاس - وهو أحْسَنُ ما قيل فيه - : إنَّ الكلام تَمَّ عند قوله :" وَهُوَ اللِّهُ " والمَجْرُور متعلِّقٌ بمفعول " يَعْلَمُ "، وهو " سِرَّكم وجَهْرَكُم " أي : يَعْلَمُ سِرَّكُم، وجَهْرَكُم فيهما.
وهذا ضعيفٌ جداً لما فيه من تَقْدِيمِ مَعْمُولِ المصجر عليه، وقد عرف ما فيه.
الوجه الرابع : أنَّ الكلامَ تَمَّ أيضاً عند الجلالةِ، وتعلِّق الظرفُ بنفس " يَعْلَمُ " وهذا ظاهِرٌ، و " يَعْلَمُ " على هذين الوَجْهَيْنِ مُسْتَأنَفٌ.
الوجه الخامس : أنَّ الكلامَ تَمَّ عند قوله :" في السموات " فيتعلَّق " في السموات " باسم الله على ما تقدَّمَ، ويتعلَّقُ " في الأرض " بـ " يعلم " وهو قول الطَّبري.
وقال أبو البقاء :" وهو ضعيفٌ ؛ لأنِّ اللَّهَ - تعالى - مَعْبودٌ في السَّمَوات وفي الأرض، ويَعْلمُ ما في السَّموات، وما في الأرض، فلا تتخصَّصُ إحْدى الصِّفَتَيْنِ بأحَدِ الظرفين ".
وهخو رَدٌ جميلٌ.
الوجه السادس : أنَّ " في السموات " متعلِّقٌ محذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من " سِرَّكم "، ثُمَّ قُدِّمَتِ الحالُ على صَاحبهَا، وعلى عاملها.
٢٢
السابع : أنه متعلّق بـ " يَكْسِبُونَ "، وهذا فَاسِدٌ من جهة أنه يَلْزَمُ منه تقديم مَعْمُولِ الصِّلةِ على الموصول ؛ لأن " ما " مَوْصُولةٌ اسمية، أو حرفيةٌ، وأيضاً فالمُخَاطبُونَ كيف يكيبون في السموات ؟ ولو ذهب هذا القائلُ إلى أنَّ الكلام تَمَّ عند قوله :" في السموات " وعلّق " في الأرض " بـ " يَكْسِبونَ " لسَهُل الأمْرُ من حيث المعنى لا من حَيْثٌ الصناعيةُ.
الوجه الثامن : أنَّ " الله " خَبَرٌ أوَّلُ، و " في السموات " خبر ثانٍ.
قال الزمخشري :" على معنى : أنَّه الله، وأنَّهُ في السموات وفي الأرض، وعلى معنى : أنَّهُ عالمٌ بما فيهما لا يَخْفَى عليه شيءٌ، كأنَّ ذَاتَهُ فيهما ".
قال أبو حيَّان :" وهذا ضعيفٌ ؛ لأن المجرور بـ " في " لا يّدُلُّ على كونٍ مُقَيَّدٍ، إنما يَدُلُّ على كونس مُطْلَقٍ، وتقدَّم جوابه مراراً ".
الوجه التاسع : أنْ يكون " هو " مبتدأ، و " اللَّهُ " بَدَلٌ منه، و " يَعْلَمُ " خبره و " في السموات " على ما تقدَّم.
الوجه العاشر : أنْ يكون " اللًّهُ " بَدَلاً أيضاً، و " في السموات " الخبرُ بالعنى الذي قاله الزمخشري.
الحادي عشر : أنَّ " هو " ضمير الشَّأنِ في مَحَلِّ رفع بالابتداء، والجلالةً مبتدأ ثانٍ، وخبرها " في السموات " بالمعنى المتقدَّمِ، أو " يَعْلَمُ "، والجملة خبر الأول مفسرة له وهو الثاني عشر.
وأمَّا " يَعْلَمُ " فقد عرفت من تَفَاصِيلٍ ما تقدَّمَ أنَّه يَجُوزُ أن يكون مُسْتَأنَفاً، فلا مَحَلَّ له، أو في مَحَلِّ رفع خبراً، أو في مَحَلِّ نَصْبِ على الحال، و " سِرَّكم وجَهْرَكم " : يجوز أن يَكُونَا على بابهما من المَصْدَرِيّة، ويكونان مضافين إلى الفاعل.
وأجاز أبو البَقَاء أن يكونا وَاقِعَيْنِ المفعول به، أي : مُسَرَّكم ومجهوركم، واسْتَدَلَّ بقوله تعالى :﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [البقرة : ٧٧] ولا دَلَيلَ فيه، لأنه يجوز " ما " مصدرية وهو الألْيَقُ لمُنَاسَبَةِ المصدرين قبلها، وأن تكون بمعنى " الذي ".
فصل في معنى الآية " وهو الله في السموات والأرض " كقوله :﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمآءِ إله وَفِي الأَرْضِ إِلَـاهٌ﴾ [الزخرف : ٨٤].
٢٣