قوله :" فَلَمَسُوهُ " الضمير المنصوب يجوز أن يَعُودَ على " القِرْطاس "، وأن يعود على " كتاب " بمعنى مَكْتُوب.
و " بأيديهم " متعلِّق بـ " لَمَسَ ".
و " الباء " للاستعانة كعملت بالقَدُّوم.
و " لَقَال " جواب " لو " جاء على الأفصح من اقتران جوابها المُثْبَتِ باللام.
قوله :" إنْ هذا " [و] و " إنْ " نافية، و " هذا " و " إلاَّ سحرٌ " خبره، فهو استثناء مُفَرَّغٌ، والجُمْلَة المَنْفِيَّةُ في مَحَلِّ نصب بالقولِ، وأوقع الظَّاهرَ مَوْقَعَ المضمر في قوله :" لَقَالَ الذين كَفَرُوا " شَهادَةً عليهم بالكُفْرِ، والجملة الامتنَاعِيَّةُ لا مَحَلَّ لها من الإعراب لاستئنافها.
ومعنى الآية الكريمة : أنَّهُ لا يَنْفَعُ معهم شيءٌ لما سبق فيهم من علمي، واللَّهُ أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦
وهذه شبهٌ ثالثةٌ من شُبَهِ النُّبوة، فإنهم يقولون : لو بَعَثَ اللَّهُ إلى الخَلْق رسولاً لوجب أن يكون ذلك الرَّسُولُ إذا أراد تحصيل مُهِّم، فإنما يَسْتعَعِينُ في تحصيله بمَنء هو أقْدّرُ على تحصيله، وإذا كان وقوع الشُّبُهَاتِ في نُبُوَّةِ الملائكة أقَلَّ وَجَبَ تعنُّتِهم وتَصَلُّبِهِم في كُفْرهم.
قيل : ويجوز أن تكون مَعْطُوفة على جواب " لو "، أي : لو نزَّلْنَا عليك كتاباً لَقَالُوا كذا وكذا، ولقالوا : لو أُنزِ عليه مَلَكٌ.
وجيء بالجواب على أحد الجائزين، أعني حذف " اللام " من المثبت، وفيه بُعْد ؛
٣٧
لأن قولهم " لولا نُزِّلَ " ليس مُتَرَتِّباً على قوله :" لولا نَزَّلْنَا " و " لولا " هنا تخضيضِيَّةٌ، والضميرُ في " عَلَيْه " الظَّاهرُ عَوْدُهُ على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل : يجوز أن يَعُودَ على الكتاب أو القِرْطَاسِ.
والمعنى : لولا أنْزِلَ مع الكتاب مَلَكٌ يشهدُ بِصحَّتِهِ، كما يُرْوَى في القِصَّةِ أنه قيل له : لن نؤمن لك حتى تَعْرُج فتأتي بكتاب، ومعه أربعة ملائكة يشهدون، فهذا يَظْهَرُ على رأي من يقولك إنَّ الجملة من قوله :" وقالوا : لولا أنْزِلَ " معطوفةٌ على جواب " لواء "، فإنَّهُ تعلّق به من حيث المعنى حينئذٍ.
فصل في دحض شبهة منكري النبوة واعلم أنَّ الله - تبارك وتعالى - أجاب عن هذه الشُّبْهَةِ بوجهين : أحدهما : قوله :﴿وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأَمْر﴾ ومعنى القضاء : الإتمام والإلزام، والمعنى : ولو أنزلنا ملكاً لم يؤمنوا، وإذا لم يؤمنوا اسْتُؤصِلُوا بالعذاب، وهذه سُنَّةُ اللَّهِ تعالى في الكُفَّار.
والوجه الثاني : أنَّهم إذا شاهدوا الملك زَهَقَتْ أرْوَاحُهُمْ من هَوْل ما يشاهدون ؛ لأنَّ الآدمي إذا رأى الملك، فإمَّا أنْ يراه على صورتِهِ الأصْلِيَّةِ، أو على صورة البَشَرِ، فإن رآه على صورته الأصليَّةِ غُشِيَ عليه، وإنْ رآه على صورة البَشَرِ، فحينئذ يكونُ المَرْئيُّ شخصاً على صورة البشر عاينوا الملائكة في صورة البشر كأضياف إبراهيم وأضياف لوط، وخصَّهم دَاوُد وجبريل حيثُ تَخَيَّل لمريم بَشَراً سَوِياً.
واعلم أنَّ عدم إرسال الملك فيه مصالح : أحدهما : إن رؤية إنزال الملكِ على البشرِ آية قاهرةٌ فبتقدير نزوله على الكُفَّارِ، فرُبَّما لم يؤمنوا، كا قال الله تبارك وتعالى ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الْمَلا اائِكَة﴾ [الأنعام : ١١١] إلى قوله :﴿مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوا ااْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ [الأنعام : ١١١]، وإذا لم يؤمنوا وجب إهلاكهُمْ بعذاب الاسْتئِصَالِ.
وثانيها : ما ذكرناه من عَدَمِ قُدْرِتِهِمْ على رية الملائكة.
وثالثها : إنَّ إنزال الملك معجزةٌ قاهِرةٌ جاريةٌ مجرى الإلْجْاءِ، وإزالة الاختيار، وذلك يخلُّ بمصلحة التكليف.
ورابعها : أنَّ إنزال المَلكِ وإن كان يّدْفَعُ الشُّبُهَاتِ من الوجوه المذكورة، لكنَّهُ يُقوِّي الشُّبْهَةَ من هذه الموجوه.
٣٨


الصفحة التالية
Icon