وقال الربيع بن أنس : نَزَلَ.
وقال عطاء : حَلَّ، والمعنى يدور على الإحاطة والشمول، ولا تستعمل إلا في الشر.
قال الشاعر :[الطويل] ٢١١٥
- فأوْطَأ جُرْدَ الخَيْلْ عُقْرَ دِيَارِهِمْ
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠
وَحَاقَ بِهِمْ مِنْ بأسِ ضَبَّةَ حَائِقُ
وقال الراغب :" قيل : وأصله : حَقَّ، فقلب نحو " زَلَّ وزَال " وقد قرئ " فأزلهما وأزلَهُمَا " وعلى هذا ذَمَّهُ وذّامه ".
وقال الأزهري :" جعل أبو إسحاق " حاق " بمعنى " أحاط "، كأنَّ مَأخَذَهُ من " الحَوْق " وهو ما اسْتَدَارَ بالكَمَرَة ".
قال :" وجائز أن يكون الحَوْق فِعْلاً من " حاق يحيق "، كأنه في الأصل : حُيْق، فقلبت الياء واواً لانْضِمَامِ ما قلبها ".
وهل يحتاج إلى تقدير مضاف قبل " ما كانوا " ؟ نقل الوَاحِدِيُّ عن أكثر المفسرين ذلك، أي : عقوبة ما كانوا، أو جَزَاء ما كانوا، ثم قال :" وهذا إذا جعلت " ما " عبارة عن القرآن والشريعة وما جاء به النَّبي ﷺ، وإن جعلْتَ " ما " عبارة عن العذاب الذي كان ﷺ يُوعدهم به إن لم يؤمنوا استَغْنَيْتَ عن تقدير المضاف، والمعنى : فَحَاقَ بهم العذابُ الذي يستهزئون به، وينكرونه ".
والسُّخْرِيَةُ : الاسْتِهْزَاءُ والتهَكُّمُ ؛ يقال : سِخِرَ منه وبه، ولا يُقَالُ إلاَّ اسْتَهْزَاءً به فلا يَتَعَدَّى بـ " مِنْ ".
وقال الراغب :" سَخَرْتُهُ إذا سِخَّرْتَهُ للهُزْءِ منه، يقال : رجل سُخَرَةٍ بفتح الخاء إذا كان يَسْخَرُ من غيره، وسُخْرَة بِسُكُونها إذا كان يُسْخَر منه ومثله :" ضُحَكة وضُحْكة "، ولا ينقاس ".
وقوله :﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً﴾ [المؤمنون : ١١٠] يحتمل أن يكون من التسخير، وأن يكون من السُّخْرية.
وقد قرئ سُخْرياً وسِخْرياُ بضم السين وكسرها.
وسيأتي له مزيدُ بيان في موضعه إن شاء اللَّهُ تعالى.
٤٢
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠
قوله تعالى :﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ﴾ كما صبر رسول الله ﷺ في الآية الأولى، حَذَّرَ القوم في الآية، وقال لرسوله : قل لهم : لا تغتروا بما وَصَلْتُمْ إليه من الدنيا ولذَّاتها، بل سيروا في الأرض لترعرفُوا صحة ما أخبركم الرسولُ عنه من نزول العذاب بمن كذب الرسل من الأمم السَّالفة قبلكم.
يحذر كفار " مكّة "، ويحتمل هذا السير أنْ يكون بالعقول والفِكَرِ، ويحتمل السَّيْرَ في الأرضِ.
قوله :" ثُمَّ " انْظُرُوا " : عطف على " سِيرُوا " ولم يجئ في القرآن العطف في مثل هذا الموضوع إلاَّ بالفاء، وهنا جاء بـ " ثم " فيحتاج إلى فَرْقٍ.
فذكر الزمخشري الفرق وهو : أنْ جَعَل النَّظَرَ مُسَبَّباً عن السَّيْرِ في قوله :" فانْظُرُوا " كأنه قيل : سِيُروا لأجْلِ النظرِ، ولا تسيروا سَيْرَ الغافلين.
وهنا معناه إبَاحَةُ السَيَّرِ في الأرض للتجارة وغيرها من المَنَافِع، وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ونبَّه عل ذلك بـ " ثمَّ " لِتَبَعُدِ ما بين الواجب والمباح.
قال أبو حيَّان - رضي الله عنه - : وما ذكر أوَّلاً مُتَنَاقض ؛ لأنه جعل النظر مُتَسَبِّباً عن السَّيْرِ، فكان السَّيْرُ سبباً للنَّظَرِ، ثم قال : فكأنه قيل : سيروا لأجْلِ النَّظَرِ، فجعل السَّيْرَ مَعْلُولاً بالنَّظَرِ، والنَّظَرِ، سَبَبٌ له فَتَنَاقَضَا، ودعوى أن " الفاء " سببيةٌ دعوى لا دَلِيلَ عليها وإنَّما مَعْنَاها التَّعْقِبُ فقط، وأمَّا " زَنَى ماعِز فَرُجم " فَفَهْمُ السببية من قَرِينَةٍ غيرها.
قال :" وعلى تقدير [تَسْلِيم] إفادتها السَّبَبَن فَلِمَ كان السيرُ هنا سَيْرَ إباحةٍ، وفي غيره سَيْرَ إيجاب ؟ ".
وهذا اعترض صحيح إلاَّ قوله :" إنَّ " الفاء " لا تفيد السَّبِبِيَّةَ " فإنه غيرُ مُرْضٍ،
٤٣


الصفحة التالية
Icon