أحدهما : أنه مَذْكُورٌ وهو " يومئذ "، ولا بُدَّ من حَذْفِ مَضَافٍ، أي : من يَصْرِفِ اللَّ عنه هَوْلَ يومئذ أو عذابَ يومئذ - فقد رحمه - فالضمير في " يَصْرِف " ن يعود على اللَّهِ تعالى، ويدلُّ عليه قراءة أبَيِّ بن كعبٍ " مَنْ يَصْرِف اللَّهُ " بالتصريح به.
والضميران في " عنه " و " رحمه " لـ " مَنْ ".
والثاني : أنه محذوف لدلالِة ما ذكر عليه قَبْلَ ذلك، أي : مَنْ يَصْرف اللَّهُ عنه العذاب " يومئذ " منصوب على الظرِف.
وقال مكيٌ :" ولا يَحْسُنُ أن تٌقَدَّر هاء ؛ لأنها إنما تُحْذَفُ من الصِّلاتِ ".
قتل شهابُ الدين : يعني أنه لا يُقَدَّر المَفْعُولُ ضميراً عائداً على عذاب يوم ؛ لأن الجملة الشرطية عنده صِفَةٌ لـ " عَذَاب "، والعائِدُ منها محذوف، لكنَّ الحَذْفَ إنما يكون الجملة الشرطية عنده صَفَةٌ لـ " عَذَاب "، والعائِدُ منها محذوف، لكنَّ الحَذْفَ إنما يكون من الصِّلَةِ لا من الصِّفَةِ، وهذا معنى قول الواحديّ أيضاً، إلاَّ أنَّ قَوْلَ مَكي " إنما يُحْذّفُ من الصِّلاتِ " يريدُ في الأحسن، وإلاَّ فيحذف من الصِّفاتِ والأخبار والأحوال، ولكنَّه دون الصِّلة.
والنصبُ من وجهين : أحدهما : أنَّه مفعول مُقَدَّمٌ لـ " يَصْرِف " والضمير في " عنه 'لى هذا يتعيَّنُ عودهُ على العذابِ المتقدمّ، والتقدير : أيَّ شخصٍ يصرفِ اللَّهُ عن العذاب.
والثاني : أنه مَنْصُوبٌ على الاشْتِغَالِ بفعل مُضْمَرٍ لا يبرز، يفسره هذا الظَّاهِرُ من معناه لا من لَفْظِهِ، والتقدير : مَنْ نُكْرِمْ أو مَنْ نُنَجِّ يَصْرَف اللَّه.
والضمير في " عنه " للشرطية.
وأمَّا مفعول " يَصْرِفْ " على هذا فَيَحْتَمِلُ الوجهين المُتقدَّمينِ، أعني كونه مذكوراً، وهو " يومئذٍ " على حَذْفِ مُضافٍ، أو محذوفاً اختصاراً.
وأمَّا القراءة الثَّانية فـ " مِنْ " تحتمل وجهين : أحدهما : أنها في مَحَلّ رفع بالابتداء، وخبره ما بعده على ما تقدَّم والفاعل المَحْذُوفُ هو اللَّهُ - تعالى يَدُلُّ عليه قراءةُ أبّي المُتقدِّمةُ وفي القائم مقامه أربعة أوجه : أحدهما : أنه ضمير العذاب، والضمير في " عنهط يعود على " مَنْ " فقط، والظرف فيه حينئذ ثلاثة أوجه : أحدهما : أنه منصوب بـ " يصرف ".
٥٨
والثاني : أنه منصوب بالعذاب، أي : الذي قام ضميره مقام الفاعل، قاله أبو البقاء - رضي الله عنه - : ويلزم منه إعْمَالُ المصدر مضمراً، وقدر يقال : يُغْتَفَرُ ذلك في الظروف.
الثالث : قال أبو البقاء :" إنه حالة من الضمير " - يعني الضمير الذي قامَ مقامَ الفاعل، وجازَ وقوع الحال ظَرْفَ زمان ؛ معنّى لا عن جُثّة.
الثاني من الأوجه الأربعة : أن القَائِمَ مقام الفاعل ضميره " مَنْ " والضمير في " عنه " يعُود على العذاب، والظَّرف منصوب، إمَّا بـ " يُصْرف " وإمَّا على الحالِ من هاء " عنه ".
الثالث : أنَّ القائم مقام الفاعل " يومئذ " إمَّا على حذف مضاف أي : من يُصْرَف عنه فَزَعُ أو هَوْلُ يومئذ، وإمَّا على قيام الظروف دون مضاف، كقولك :" سير يوم الجمعة "، وإنما بُنِيَ " يومئذٍ " على الفَتْح لإضافته إلى غير مُتَمَكِّنِ، ولو قُرِئَ بالرفع لكان جِائَزاً في الكلام، وقد قرئ :﴿وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ﴾ [هود : ٦٦] فتحاً وجراً بالاعتبارين، وهما اعتبارانِ مُتَغَايِرَان.
فإن قيل : يلزمُ على عدم تقدير حَذْفِ المضاف إقامةُ الظِّرْفِ غير التام مقام الفاعل، وقد نصُّوا على أنَّ الظَّرْفِ المقطُوعَ عن الإضافة لا يُخبَرُ به، ولا يقوم مقام فاعل، ولو قلت :" ضُرب قبلُ " لم يَجُزْ، والزرف هنا في حكم المقطوع عن الإضافة فلا يجوز هنا قيامه مقام الفاعل، إلاَّ على حَذْفِ مضاف، فالجواب أن هذا في قُوَّة الظَّرْفِ المضاف ؛ إذ التنوين عِوَضٌ عنه، وهذا ينتهضُ على رَأي الجمهور أما الأخفش فلا، لأنَّ التنوين عنده تَنْوِنيُ صَرْفِ والكَسْرُ كَسْرُ إعراب.
والرابع : أنَّ القائم مقامَهُ " عنه "، والضميرُ في " عنه " يعودُ على " مَنْ "، و " يومئذٍ " منصوب على الظَّرْفِ، والعامل فيه " يُصْرَفْ "، ولا يجوز الوجهان الأخيران، أعني نَصْبَهُ على الحالِ، لأن الضمير لجُثَّة والزَّمَان لا يقع حالاً عنهما، كما لا يَقَعُ خبراً، وأعني كونه مَعْمُولاً للعذاب، إذ ليس هو قائماً مقام الفاعلِ.
والثاني من وَجْهي " مِنْ " في مَحَلِّ نصب بفعل مُضْمَرٍ يفسّره الظاهرُ بعده، وهذا إذا جعلنا " عنه " في مِحَلِّ نصب بأنْ يُجْعَلَ القائم مقامَ الفاعل : إمَّا ضميرَ العذاب، وإمَّا " يومئذ ".
٥٩


الصفحة التالية
Icon