وقيل : على النَّاس كلهم، فيندرج هؤلاء فيهم، والتَّوْبيخُ مختصُّ بهم.
وقيل : يعود على المشركين وأصنَامِهِمْ، ويدلُّ عليه قوله :﴿احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ﴾ [الصافات : ٢٢].
و " جَمِيعاً " حالٌ نم مفعول " نحشُرهم " ن ويجوز أن يكون توكيداً عند من أثْبَتَهُ من النحويين كـ " أجمعين ".
وعطف هنا بـ " ثُمَّ " للتراخي الحاصل بين الحَشْر والقَوْلِ.
ومفعولا " تزعمون " محذوفان للعلم بهما، أي : تزعمونهم شركاء، أو تزعمون أنهما شُفَعَاؤكم.
وقوله :" ثُمَّ نَقُولُ للَّذينَ " إن جعلنا الضمير في " نَحْشُرهم " عائداً على المفترين الكذبَ، كان ذلك من باب إقامةِ الظَّاهرِ مقامَ المُضْمَرَ، إذ الأصل : ثم نقول لهم، وإنما أظْهِرَ تنبيهاً على قُبْحِ الشرك.
وقوله :﴿أيْنَ شُرَكاؤكُمْ﴾ ؟ سؤالُ تَقْريع وتوبيخ وتَبْكيتٍ.
قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - :" كُلُّ زَعْمِ في كتاب الله فالمُرادُ به الكذبُ ".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٧١
قرأ حمزة والكسائي :" يَكُنْ " بالياء من تحت، " فتنتهم " نَصْباً.
وابن كثير، وابن عامر، وحفص عن عاصم :" تَكُنْ " بالتاء من فوق، " فَتْنَتُهُمْ " رفعاً.
والباقون بالتاء من فوق أيضاً، " فِتنتَهم " نصباً.
فأمَّا قراءة الأخويْنِ فهي أفْصَحُ هذه القراءات لإجرائِهَا على القواعد من غير تأويل، وَوَجْهُهَا أنَّ " فتنتهم " خبر مقدَّمٌ، وإن قالوا بتاويل اسم مؤخر.
والتقدير :" ثم لم تكن فِتْنَتهُمْ إلاَّ قولُهم ".
وإنما كانت أفصحٍ ؛ لأنه إذا اجتمع اسْمَانِ : أحدهما أعرفُ، فالأحْسْنُ جعله اسماً مُحَدَّثاً عنه، والآخر خَبَراً حديثاً عنه.
٧٢
و " أن قالوا " يشبه المضمر، والمضمر أعرف المعارف، وهذه القراءة جُعِلَ الأعرفُ فيها اسْماً لـ " كان " وغير الأعرافِ خبرها، ولم يؤنّث الفعل لإسناده إلى مذكر.
قال الواحدي : والاختبارُ قراءة من جعل " أن قالواط الاسم ذوي الخبر ؛ لأنه إذا وصلت بالفعل لم تُوصَفْ، فأشبهت بامتناع وَصْفِهَا المُضْمَرِ، فكما أنَّ المُضْمَرَ، والمظهر إذا اجتمعا كان جَعْلُ المضمر اسماً أوْلَى من جعله خبراً، تقول : كنت القائم.
وأما قراءة ابن كثير ومن معه فـ " فتنتهم " اسْمُهَا، ولذلك أنِّثَ الفِعلُ لإسناده إلى مؤنُّ، و " إلاَّ أنْ قالوا " خَبَرُهَا، وفيه أنك جعلت غير الأعرف اسماًن والأعرف خبراً، فليست في قُوَّةِ الأولَى.
وأمَّا قراءةُ الباقين فـ " فتنتهم " خبر مقدمٌن و " إلاَّ أن قالوا " اسم مؤخَّرٌ، وهذه القراءةُ وإن كان فيها جَعْلُ الأعْرَفِ اسْماً - كالقراءة الأولى، إلا أنَّ فيها لِحَاقُ علامَةِ تأنيث في الفعل مع تذكير الفاعل، ولكنه بتأويل.
فقيل : لأنه قوله :" إلاَّ أنْ قالوا " في قوة مقالتهم.
وقيل : لأنه هو الفِتْنَةُ في المعنى، وإذا أخبر عن الشَّيءِ بمؤنَّثٍ اكتسب تأنيثاً، فعومل مُعامَلتهُ.
وجعل أبو علي منه ﴿فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام : ١٦٠] لمَّا كانت الأمْثَالُ هي الحَسَنَاتُ في المعنى عُومِلَ مُعَامَلَة المُؤنَّثِ، فسقطت " التاء " من عَدَدِهِ، ومثلُ الآية قوله :[الطويل] ٢١٢٤ - ألَمْ يَكُ غَدْراً مَا فَعَلْتُمْ بسَمْعَلٍ
وَقَدْ خَابَ مَنْ كَانَتْ سِرِيرتَه الغَدْرُ
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٧٢
فـ " كانت " مُسْند إلى " الغَدْرِ " وهو مذكَّر، لكن لما أخبر عنه بمؤنث أنَّث فِعلَه.
ومثله قول لَبيدٍ :[الكامل] ٢١٢٥ - فَمَضَ وَقَدَّمِهَا وَكَانَتْ عَادَةً
مِنْهُ إذَا هِيَ عَرَّدَتْ إقْدَامُهَا
قال أبو عَلِيّ : فأنَّث الإقدام لما كان كالعادة في المعنى قال : وقد جاء في الكلام :" ما جاءَتْ حَاجَتُكَ " فأنّث ضمير " ما " حيث كانت كالحاجة في المَعْنَى، ولذلك نصب " حاجتك ".
وقال الزمخشري :" وإنما أنَّث " [أن] قالوا " لوُقُوعِ الخبر مؤنّثاً كقولهم : من كانت أمَّك ".
٧٣
قال أبو حيَّان : وكلام الزَّمخشري ملفقٌ من كلام أبي عَلِيّ، وأمَّا " من كانت أمك " فإنه حَمَلَ اسمَ " كان " على معنى " مَنْ " ن فإنَّ لها لَفْظاً مُفرداً مذكّراً، ولها معنى بحسب ما تريد من إفراد وتَثنيٍة وجَمْعِ وتذكير وتأنيثٍ، وليس الحَمْلُ على المعنى لِمْرعَاةِ الخَبَرِ، ألا ترى أنه يجيء حيث لا خبر، كقوله :﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ [يونس : ٤٢].
وقوله :[الطويل] ٢١٢٦
-..............
تكُنْ مَثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ


الصفحة التالية
Icon