جزء : ٨ رقم الصفحة : ٩٨
قوله تعالى :﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ الآية الكريمة [الأية : ٣٠] تَمَسَّكَ بعضُ المُشَبِّهَةِ بهذه الآية، فقال ظاهرها يَدُلُّ على أن أهل القيامة يَقِقُون عند الله - تبارك وتعالى - بالقُرْبِ منه، وذلك يَدُلُّ على أنَّهُ تبارك وتعالى [بحيث يحضر في مكان تارة، ويغيب عنه أخرى، وهذا خطاب ؛ لأن ظاهر الآية يدل على أن الله تعالى] يوقفُ عليه، كما يقف أحدنا على الأرْضِ، وذلك كونه مُسْتَعْلياً على ذات الله تعالى، وأنه بَاطِلٌ بالاتِّفاق، فوجب تأويله، وهو من وجهين : الأول : أنه من باب الحَذْفِ، تقديره : على سؤال رَبَّهِمْ أو ملك ربهم، أو جزاء ربهم، أو على ما أخبرهم به من أمر الآخرة.
الثاني : أنه من باب المَجَازِ ؛ لأنه كنايةٌ عن الحَبْسِ للتوبيخ، كما يوقفُ العَبْدُ بين يَدَيْ سَيَّدِهِ ليُعَاتِبَهُ، ذكر ذلك الزمخشري، أو يكون المراد بالوقوف المَعْرِفَةَ، كما يقول الرجل لغيره :" وَقَفْتُ على كلامك " أي : عرفته، ورجَّح الزمخشري المَجَازَ على الحَذْفِ ؛ لأنه بدأ بالمجاز، ثم قال : وقيل وقفوا على على حزاء ربهم وللناس خلافٌ في ترجيح أحدهما على الآخر وفيه ثلاثة مذاهب : أشهرها : ترجيح المجاز على الإضمار.
والثاني : عكسه.
والثالث : هاهنا سواء.
قوله :" قال : ألَيْسَ " في هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنها اسْتِفْهَاميةٌ أي : جواب سؤال مُقّدَّر، قال الزمخشري :" قال " مَرْدُودٌ على قولِ قائلٍ.
قال : ماذا قال لهم ربُّهُمْ إذْ أوقفُوا عليه ؟ فقيل : قال لهم : أليس هذا بالحقِّ.
والثاني : أن تكون الجملة حَالِيَّةً، وصاحب الحال " ربُّهم " كأنه قيل : وُقِفوا عليه قَائِلاً : أليس هذا بالحقٌ ؟ والمُشَارُ إليه قيل : هو ما كانوا يكذبون به من البَعْثِ.
وقيل : هو العَذَابُ يَدُلُّ عليه " فذوقوا العذاب ".
وقوله :" بما كنتم " يجوز أن تكون " ما " مَوْصُولةً أسميةً، والتقدير : تَكْفُرُونَهُ، والأصل : تكفرون به، فاتَّصَلَ الضمير بالفعل بعد حذف الواسطة، ولا جائز أن يُحذف،
١٠٠
وهو مجرورٌ بحاله، وإن كان مجرواً بحرف جُرَّ بمثله الموصول لاختلافِ المتعلِّق، وقد تقدَّم إيضاحه.
والأوْلى أن تُجْعَلَ " ما " مصدريَّة، ويكون متعلَّق الكُفْرِ محذوفاً، والتقدير : بما كنتم تكفرون بالبَعْثِ، أو بالعذاب، أي : بكفرهم بذلك.
فإن قيل : قد قال تبارك وتعالى :﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ﴾ [آل عمران : ٧٧]، وها هنا قد قال [لهم] :" أليس هذا بالحقِّ " ؟ فما وَجْهُ الجمع ؟.
فالجواب : لا يكلمهم بالكلام الطيب النافع.
قال ابن عباس : هذا في موقف، وقولهم :" واللَّه ربنا ما كنا مشركين " في موقف آخر، والقيامةُ مواقف، في موقف يُقِرُّونَ، وفي موقف ينكرون.
قوله :﴿فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ خَصَّ لفظ الذَّوْقِ، لأنهم في كل حال يجدونه وجدانَ الذَّائقِ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٠
قوله تعالى :﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّه﴾ [الأية : ٣١] وصف أحوال منكري البَعْثِ بأمرين : احدهما : حصول الخُسْرَانِ، أي : خسروا أنفسهم بتكذيبهم المصير إلى اللَّهِ - تبارك وتعالى - وحُصُول العقاب.
قوله :﴿حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَة﴾ في نصب " بَغْتَةً " أربعة أوجه : أحدهما : أنها مصدرٌ في موضع الحال من فاعل " جاءَتهم " بَغَتَتْهُمْ بغتة، فهو كقولهم :" أتيته رَكْضاً ".
الثالث : أنَّها منصوبةٌ بفعل محذوف من لفظها، أي : تبغتهم بَغْتَة.
الرابع : بفعل [من غير لفظها، أي : أتتهم بغتة، والبغت والبغتة مفاجأة الشيء بسرعة من] غير اعتدادٍبه، ولا جَعْلِ بالٍ منه حتَّى لو استشعر الإنسانُ به، ثم جاء
١٠١
بسرعة من غير اعتدادٍ به لا يُقَالُ فيه : بَغْتَة، وكذلك قول الشاعر في ذلك :[الطويل] ٢١٤٤ - إذَا بَغَتَتْ أشْيَاءُ قَدْ كَانَ قَبْلَهَا
قَدِيماً فَلاَ تَعْتَدَّهَا بَغَتَاتِ