والألف واللام في " السَّاعة " للغَلَبِة كالنَّجْم والثُّرَيَّا ؛ لأنها غلبت على يوم القيامة، وسِّمَيتِ القيامَةُ سَاعةً لسرعة الحِسَابِ فيها على الباري تبارك وتعالى.
وقيل : لأنَّ السَّاعة من الوَقْتِ الذي تقوم فيه القيامة ؛ لأنها تَفْجأ الناس في ساعة لا يعلمها [أحدٌ] إلاَّ اللَّهُ تعالى.
وقوله :" قالوا " هو جواب " إذا ".
قوله :" يَا حَسْرَتَنَا " هذا مجازٌ ؛ لأن الحَسْرَةَ لا يتأتى منها الإقْبَالُ، وإنَّما المعنى على المُبَالغَةِ في شِدَّةِ التَّحَسُّرِ، وكأنهم نادوت التحسُّر، وقالوا : إن كان لك وَقْتٌ، فهذا أوانُ حضورك.
ومثله :" يا ويلتا " والمقصودُ التنبيهُ على خطأ المنادي، حيث ترك ما أحْوَجَهُ تركه إلى نداء هذه الأشياء.
قال سيبويه - رحمه الله - : فيكون المنادي هو نفس الحَسْرَةِ، والمُراَدُ بالحَسْرَةِ النَّدَامَةُ.
قال الزَّجَّاج - رحمه الله تعالى - : هذا النِّدَاءُ ينبِّهُ الناس على ما سيحصل لهم من الحَسْرَةِ، والعربُ تعبر عن تعظيم أمثال هذه الأمور باللَّفظَةِ كقوله تبارك وتعالى :﴿يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس : ٣٠] ﴿يا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ اللَّهِ﴾ [الزمر : ٥٦] ﴿يا وَيْلَتَا أَأَلِدُ﴾ [هود : ٧٢] و ﴿يا أَسَفَا﴾ [يوسف : ٨٤] والمعنى : يا أيها النَّاس تَنَبَّهُوا على ما وَقَعَ من الأسَفِ، فوقع النداءُ على غير المنادى في الحقيقة.
قوله :" عَلَىَ مَا فَرَّطْنَا " متعلّق بالحسرة و " ما " مَصْدريَّةٌ، أي : على تفريطنا، والضمير في " فيها " يجوز أن يعود على السَّاعِةِ، ولا بد من مضاف، أي في شأنها والإيمان بها، وأن يعود على الصِّفَقَةِ المتضمِّنة في قوله :﴿قّدْ خَسِرَ الَّذين﴾، قاله الحسن، أو يعود على الحياة الدينا، وإن لم يَجْرِ لها ذِكُرٌ لكونها مَعْلُومَةَ، قاله الزمخشري - رحمه الله تعالى -.
وقيل : يعود على مَنَازِلِهْم في الجنَّةِ إذا رأوها، وهو بَعِيدٌ.
والتفريطُ : التقصير في الشيء مع القُدْرَةِ على فعله.
وقال أبو عُبَيْدِ هو التَّضْييعُ.
١٠٢
وقال ابن بَحْرِ : وهو السَّبْقُ ومنه الفارط، أي : السَّبق للقوم، فمعنى فَرَّط بالتشديد خَلَّى السَّبْقَ لغيره، فالتضعيف فيه للسَّلْبِ، كـ " جلَّدت البعير " ومنه ﴿فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ [الإسراء : ٧٩].
فصل في تحرير معنى الخسران اعلم أن [كلمة " حتى " ] غاية [لقوله :" كذبوا " ] لا لقوله :" قد خَسِرَ "، لأن خسرانهم لا غَايَةَ له، ومعنى " حتى " ها هنا أنَّ مُنْتَهَى تكذيبهم الحَسْرةُ يوم القيامة والمعنى : أنهم كذبوا بالبَعْثِ إلى أن ظهرت السَّاعةُ بَغْيَةً، فإن قيل : إنما يَتَحَسَّرُونَ عن موتهم.
فالجواب : بما كان المَوْتُ وُقُوعاً في [أحوال الآخرة] ومقدماتها جُعِلَ من جنس السَّاعة، وسُمِّيَ باسمها، فلذلك قال عليه الصلاة والسلام :" مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ " والمراد بالساعة : القيامة.
قوله :" وَهُمْ يَحْمِلُونَ " " الواو " للحال، وصَاحِبُ الحال " الواو " في " قالوا " أي : قالوا : يا حَسْرَتَنَا في حالةِ حَمْلِهِمْ أوْزَارَهُمْ.
وصُدِّرت هذه الجملة بصمير مبتدأ ؛ ليكون ذِكْرُهُ مَرَّتين فهو أبْلَغُ.
والحَمْلُ هنا قيل : مجازٌ عن مُقََاساتِهِمُ العذابَ الذي سَبَبُهُ الأوْزَارُ.
[قال الزَّجَّاجُ : كما يُقَال :" ثقل عليّ كلام فلان " ] والمعنى : كرهته.
وقيل : هو حقيقة وفي الحديث :" إنَّهُ يُمَثَّلُ لَهُ عَمَلُهُ بِصُورَةٍ قَبِيْحَةٍ مُنْتِنَةِ الرِّيح فَيَحمِلُها " وهو قول قتادَةَ، والسُّدي، وخُصَّ الظَّهْرُ، لأنه يُطيق [من الحَمْل] ما لا يُطِيقُهُ غيره من الأعْضَاءِ كالرأس والكَاهِل، وهذا كما تقدم في قوله :﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ [الأنعام : ٧]، ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ﴾ [آل عمران : ١٨٧] لأن اليد أقوى في الإدراك اللَّمْسِيِّ من غيرها.
والأوزَارُ : جمع " وِزْر " كـ " حِمْل " وعِدْل وأعْدَال.
والوِزْر في الأصل الثقل، ومنه، : وَزَرْتُهُ، أي : حَمَّلته شَيْئاً قليلاًن ووزير الملك من هذا ؛ لأنه يَتَحَمَّلُ أعْبَاء ما قَلَّدّهُ المَلِكُ من مئونة رعيَّته وحَشَمَتِه ومنه أوْزَارُ الحرب لسلاحها وآلاتها، قال [القائل في ذلك] :[المتقارب]
١٠٣
٢١٤٥ - وأعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أوْزَارَهَا
رِمَاحاً طِوَالاً وخِيْلاً ذُكُورَا
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠١


الصفحة التالية
Icon