ورشٍ، والنُّحاة يَسْتَضْعِفْون إبدال هذه الهمزة ألفاً، بل المشهور عندهم تَسْهِيلُهَا بَيْنَ بَيْنَ، وهي الرواية المشهورة عن نافع، لكنَّهُ قد نَقَلَ الإبدال المَحْض قُطْربٌ وغيرهُ من الللغويين قال بعضهم " هذا غَلَطٌ غُلِّط عليه "، أي : على نافعٍ، وسبب ذلك أنه يُؤدِّي إلى الجَمْعِ بين ساكنين، فإن " الياء " بعدها ساكنة.
ونقل أبو عبيد القاسم بن سلام عن أبي جعفر ونافعٍ، وغيرهما من أهل " المدينة " أنهم يُسْقِطُونَ الهمزة، ويَدَّعُونَ أن الألف خلفٌ منها.
قال شهاب الدين : وهذه العبارةُ تُشْعِرُ بأنَّ هذه الألف ليست بدلاً من الهمزة، بل جيءَ بها عِوَضاً عن الهمزة السَّاقِطَةِ.
وقال مَكِّيُّ بْنُ أبي طالب :" وقد روي عن وَرْشٍ إبدالُ الهَمْزَةِ ألفاً ؛ لأن الرِّواية عنه أنه يَمُدَّ الثانية، والمَدُّ لا يتمكن إلاَّ مع البدلِ، وحسَّنَ جوازَ البدلِ في الهمزة وبعدها سَاكِنٌ أنَّ الأوِّل حَرْفُ مدِّ ولينٍ، فإن هذا الذي يحدث مع السكون يقوم مقامَ حركةٍ يُتَوصَّلُ بها إلى النُّطْقِ بالساكن ".
وقد تقدَّم شَيءٌ من هذا عند قوله :﴿أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة : ٦].
ومنها : أن تُنحْذَفَ الهمزة التي هي عَيْنُ الكلمة، وبها قرأ الكسائي، وهي فاشية نَظْماً ونَثْراً فمن النظم قوله :[الرجز] ٢١٥٨ - أرَيْتَ مَا جَاءَتْ بِهِ أمْلُودا
مُرَجَّلاً وَيَلبسُ البُرُودَا
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٣٣
أقَائِلُنَّ أحْضِرُوا الشُّهودَا
وقال الآخر :[الطويل] ٢١٥٩ - أرَيْتَكَ إذْ هُنَّا عَلَيْكَ ألَمْ تَخَف
ْ رَقِيباً وَحَوْلِي مِنْ عَدُوِّكَ حُضَّرُ
وأنشد الكسائي لأبي الأسود :[المتقارب] ٢١٦٠ - أرَيْتَ امْرَأ كُنْتُ لَمْ أبْلُهُ
أتَانِي فَقَالَ : اتَّخذنِي خَلِيلاً
١٣٤
وزعم الفرَّاءُ أن هذه اللُّغَةَ لُغّةُ أكثر العربِ.
قال :" في أرَأيْتَ لغتان ومعنيان : أحدهما : أن يسأل الرجل : أرأيت زَيْداً، أي : أعَلِمْتَ، فهذه مهموزة.
وثانيهما : أن تقول : أرأيت بمعنى " أخْبِرْني "، فهاهنا تترك الهمزة إن شِئْتَ، وهو أكثر كلام العرب بُؤمئ إلى تَرْكِ الهَمْزَةِ للفرق بين المَعْنَيَين ".
انتهى.
وفي كيفية حذف هذه الهمزة ثلاثة أوجه : أحدها :- وهو الظَّاهر - أنه اسْتُثْقِلَ الجَمَعُ بين همزتين في فعلٍ اتَّصَلَ به ضَمِيرٌ، فَخَفَّفَهُ بإسقاط إحدى الهمزتَيْنِ، وكانت الثانية أولى، لأنها حصل بها الثِّقَل ؛ ولأنَّ حذفها ثابِتٌ في مضارع هذا الفعل، نحو : أرى، ويرى، ونرى، وترى، ولأنَّ حذف الأولى يُخِلُّ بالتَّفَاهُمِ، إذ هي للاستفهام.
والثاني : أنه أبْدَلَ الهمزة ألِفاً، كما فعل نَافِعٌ في رواية ورش، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما وهو الألف.
والثالث : أنه أبْدَلَها ياءً، ثم سِكَّنَهَا، ثم حذفهها لالتقاء الساكنين، قاله أبو البقاء، وفيه بُعْدٌ، ثم قال :" وقَرَّب ذلك فيها حَذْفُها في مُسْتَقْبَلِ هذا الفعل " يعني في يرى وبابه، ورجَّحَ بعضهم مذهبَ الكسائي بأن الهَمْزَةَ قد اجترىءَ عليها بالحذف، وأنشد :[الرجز]
٢١٦١ - إنْ لَمْ أقَاتِلْ فَالْبِسُونِي يُرْقُعَا
وأنشد لأبي الأسود :[الكامل] ٢١٦٢ - يَا بَا المُغيرةِ رُبَّ أمْرٍ مُعْضِلٍ
فَرَّجْتُهُ بِالمَكْرِ مِنَّي وَالدَّهَا
[وقولهم :" وَيْلُمِّهِ " ].
وقوله :[البسيط] ٢١٦٣ - وَيْلُمِّهَا خُلَّةً قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا
فَجْعٌ وَوَلْعٌ وإخلافٌ وتَبْدِيلُ
وأنشد أيضاً :[الوافر] ٢١٦٤ - وَمَنْ رَا مِثْلَ مَعْدَانَ بْنِ سَعْدٍ
إذَا مَا النِّسْعُ طَالَ عَلَى المَطِيِّه
أي : ومَنْ رأى.
١٣٥
ومنها : أنه لا يَدْخُلُهَا تَعْلِيقٌ، ولا إلغَاءٌ ؛ لأنها [بمعنى] " أخبرني " لا يُعَلَّقُ عند الجمهور.
قال سيبويه :" وتقولُ : أرأيتك زَيْداً أبو مَنْ هو ؟ لا يَحْسُنُ فيه إلاَّ النَّصْبُ في " زيد "، الا ترى لو قلت :" أرأيت أبو مَنْ أنت ؟ " لم يَحْسُنْ ؛ لأن فيه معنى أخبرني عن زيد، وصار الاستفهامُ في موضع المفعول الثاني " وقد خالف سيبويه غَيْرُهُ من النحويين، وقالوا : كثيراً ما تُعَلَّق " أرأيت " وفي القرآن من ذلك كثيرٌ، واْتَدَلُّوا بهذه الآية التي نَحْنُ فيها، وبقوله :﴿أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ﴾ [العلق : ١٣، ١٤]، وبقوله :
٢١٦٥ - أرَيْتَ مَا جَاءْتُ بِهِ أمْلُودَا