وهذا لا يرد على سيبويه، وسيأتي تأويل ذلك قريباً.
ومنها : أنها تَلْحَقُهَا " التاء " فَيُلْتَزَمُ إفْرَادُهَا وتذكيرها، ويُسْتَغْنَى عن لحاقِ علامة الفُرُوعٍ بها بِلحاقِهَا بالكافِ، بخلاف التي لم تُضَمَّنْ معنى " أخبرني " فإنها تُطَابِقُ فيها، كما تقدَّم ما يُرادُ بها.
ومنها : أنه يلحقها " كاف " هي حرف خطابٍ تُطابقُ ما يُرَادُ بها من إفرادٍ وتذكير وضِدَّيهما، وهل هذه " التَّاء " فاعل، و " الكاف " حرف خطاب [تبيَّن أحوال التاء، كما تبينه إذا كانت ضميراً، أو التاء حرف خطاب] و " الكاف " ضمير في موضع المفعول الأول ؟ ثلاثةُ مذاهب مشهورة، الأوَّل : قول البصريين، والثاني : قول الفراء، والثالث : قول الكسائي، ولنَقْتَصِرْ على بعض أدلَّةِ كُلِّ فريق.
قال أبو علي :" قولهم :" أرَأيْتَكَ زَيْداً ما فعل " بفتح " التاء " في جميع الأحوال، فالكافُ لا يخلو أن يكون للخطاب مُجَرَّداً، ومعنى الاسمية مَخْلُوعٌ منه، أو يكون دالاً على الاسم مع دلالتهِ على الخطابٍ، ولو كان اسْماً لوجب أن يكُون الاسْمُ الذي بعده هو هو ؛ لأن هذه الأفعال مفعولها الثَّاني هو الأوَّل في المعنى، لكنه ليس به، فتعيَّن أن يكون مَخْلُوعاً منه الاسميَّةُ، وإذا ثبت ا، ه للخطَابِ مُعَرى من الاسمية ثَبَت أن " التاء " لا تكون لِمُجرَّدِ الخطابِ، ألا ترى أنه لا ينبغي أن يَلْحَقَ الكَلِمَةُ علامتَا خطاب، كما لا يحلقها علامتا تأنيث ولا علامتَا استفهامٍ، فلمَّا لم يَجُزْ ذلك أفرِدَت " التاءُ " في جميع الأحْوَالِ لمَّا كان الفِعْلُ لا بُدَّ من فاعلٍ، وجُعِلَ على لَفْظٍ واحد اسْتِغْنَاءً بما
١٣٦
يَلْحَقُ " الكاف "، ولو لحق " التاء " علامةُ الفروع علامتَانِ للخطاب مما كان يَلْحَقُ " التاء "، وممَّا كان يلحق " الكاف "، فلما كان ذلك يُؤدِّي إلى ما لا نَظِيرَ له رُفِضَ، وأجْرِي على ما عليه سِائِرُ كلامهم ".
وقال الزَّجَّاج بعد حكايته مَذْهَبَ الفراء :" وهذا القَوْلُ لم يَقْبَلُهُ النحويون القُدَمَاءُ وهو خَطَأٌح لأنَّ قولك :" أرأيت زَيْداً ما شأنه " لو تعدَّتِ الرؤية إلى " الكاف " وإلى زيد لصار المعنى : أرَأتْ نَفْسُكَ زيداً ما شأنُهُ وهذا مُحَالٌ " ثم ذكر مذهب البصريين.
وقال مكِّي بن أبي طالبٍ بعد حكايته مَذْهَبَ الفرَّاءِ :" وهذا مُحَالٌ، لأنَّ " التاء " هي " الكاف " في " أرأيتكم "، فكان يجب أن تُظْهَرَ علامةُ جمع " التاء " وكان يجب أن يكون فاعلان لفعلٍ واحدٍ وهما لِشَيءٍ واحد، ويجب أن يكون معنى قولك :" أرأيتك زَيْداً ما صَنَعَ " : أرأيْتَ نَفْسَكَ زَيْداً ما صنع ؛ لأن " الكاف " هو المُخَاطَبُ، وهذا مُحَالٌ في المعنى، ومُتَنَاقِضٌ في الإعراب والمعنى ؛ لأنك تَسْتَفْهِمُ عن نفسه في صَدْرِ السُّؤال، ثم ترد السؤال إلى غيره في آخره وتخاطبه أولاً، ثم تأتي بغائبٍ آخر، أو لأنه يَصِيرُ ثلاثة مفعولين لـ " رأيت "، وهذا كله لا يَجُوزُ.
ولو قلت :" أرأيتك عالماً بزيد " لكان كلاماً صحيحاً، وقد تعدَّى " رأى " إلى مفعولين ".
وقال أبو البقاء بعدما حكا مذهب البصريين :" والدَّليلُ على ذلك أنها - أي " الكاف " - لو كانت اسْماً لكانت : إمَّا مَجْرُورةً - وهو باطلٌ إذ لا جارَّ هنا - وإمَّا مَرْفثوعَةٌ، وهو باطِلٌ أيضاً لأمرين : أحدهما : أن " الكاف " ليست من ضمائر الرفع.
والثاني : أنها لا رَافِع لها ؛ إذا ليست فاعلاً ؛ لأن " التاء " فاعل، ولا يكون لفعل واحدٍ فاعلان، وإمَّا أن تكون مَنْصُوبةً، وذلك باطلٌ لثلاثة أوجه : أحدها : أن هذا الفِعْلَ يتعدَّى إلى مَفْعُولينِ كقولك :" أرأيت زيداً ما فعلَ " فلو جعلت " الكاف " مفعولاً كان ثالثاً.
والثاني : أنه لو كان مَفْعُولاً لكان هو الفاعل في المَعْنَى، وليس المعنى على ذلك، إذ ليس الغَرَضُ أرأيت نفسك، بل أرأيت غيرك، ولذلك قلت : أرأيتك زيداً وزيد غير المُخَاطَبِ، ولا هو بدل منه.
والثالث : أنه لو كان مَنْصُوباً على أنه مَفْعُولٌ لظَهَرتْ علامةُ التثنية والجمع والتَّأنيث في " التاء " فكنت تقول : أرأيتماكما، أرأيتموكم، أرأيتكنَّ ".
ثم ذكر مَذْهَبَ الفرَّاءِ ثم قال :" وفيما ذكرنا إبطالٌ لمذهبه ".
١٣٧


الصفحة التالية
Icon