الرحمن السّلمي، والحسن البَصْري، ومالِكِ بْنِ ديناَرٍ، وأبي رَجَاءٍ العطارِدِيّ، ونصر بن عاصم الليْثي، والأشهر في " الغُدْوة " أنها مُعَرَّفة بالعَلَمِيَّةِ، وهي عَلَمِيَّة الجنس كـ " أسامة " في الأشخاص، ولذلك مُنِعَتْ من الصَّرفِ.
وقال الفراء :" سمعت أبا الجَرَّاحِ يقول : ما رأيت [كغدوة] قط، يريد غَدَاة يومه ".
قال :" ألا ترى أن العرب لا تُضِيفُهَا، فكذا لا يدخلها الألف واللام، إنما يقولون : جئتك غداوة الخميس ".
وقال الفر‍َّاء في كتاب " المعاني " في " سورة الكهف " : قرأ أبو عبد الرحمن السّلَمِيُّ :" بالغُدْوَةِ والعَشِيّ " ولا أعلم أحَداً قرأ بها غيره، والعربُ تُدْخِلُ الألف واللام في " الغدوة " ؛ لأنها معرفة بغير ألف ولام " فذكره إلى آخره.
وقد طعن أبو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سُلاَّمٍ على هذه القراءة، فقال :" إنما نرى ابن عامرٍ، والسلمي قرءا تلك القراءة اتّباعاً للخَطِّ، وليس في إثبات " الواوط في الكتاب دليلٌ على القراءة بها ؛ لأنهم كتبوا " الصَّلاة " و " الزكاة " بالواو، ولفظهما على تركها، وكذلك " الغدوة " على هذا وجدنا العرب ".
وقال الفارِسِيُّ : الوَجْهُ قراءة العامة " بالغَدَاةِ " ؛ لأنها تستعمل نكرةً ومعرفةً باللام، فأمَّا " غُدْوة " فمعرفةٌ، وهو علمٌ وُضَعَ للتعريف، وإذا كان كذلك، فلا ينبغي أن تدخل عليه الألف واللام للتعريف، كما لا تَدْخُلُ على سَائِرِ الأعْلام، وإن كانت قد كُتِبَتْ بالواو ؛ لأنها تَدُلُّ على ذلكَ، ألا ترى " الصلاة " و " الزكاة " بالواو، ولا تُقرآن بها، فكذلك " الغَدَاة ".
قال سيبويه :" غُدْوة وبُكْرة جُعِلَ كُلُّ واحد منهما اسْماً لِلْحِين، كما جعلوا :" أمّ حُبَيْن " اسماً لدَابَّةِ معروفة " إلا‍َّ أنَّ هذا الطَّعْنَ لا يُلْتَفَتُ إليهن وكيف يُطَنُّ بِمَنْ تقدَّم أنهم
١٦٢
يَلْحنون، والحَسَنُ البَصْرِيُّ ممن يُسْتَشْهَدُ بكلامه فَضْلاً عن قراءتِهِ، ونَصْرُ بْنُ عَاصِم شَيْخُ النحاة، أخذَ هذا العلم عن أبي الأسْوَدِ يَنْبُوعِ الصناعِةِ، وابن عامر لا يعرف الل‍َّحْنَ ؛ لأنه عربي، وقرأ على عثمان بن عفان وغيره من الصحابة، ولكن أبا عُبَيْدٍ - رحمه الله - لم يعرف أن تنكير " غُدْوَة " لغة ثانية عن العَرَبِ حَكَاهَا سيبويه والخليل.
قال سيبويه : زعم أنه يَجُوزُ أن تقول :" أتَيْتُكَ اليوم غُدْوَةً وبُكْرَة " فجعلها مثل " ضَحْوَة ".
قال المهدوي :" حكى سيبويه والخليل أنَّ بعضهم يُنَكِّر فيقول :" غُدْوةً " بالتنوين، وبذلك قرأهُ ابن عامر، كأنه جعله نكرة، فأدخل عليها الألفَ واللام ".
وقال أبو علي الفارسي :" وجْهُ دخول الألف واللام عليها أنه يجوز وإن كانت مَعْرِفَةً أن تُنَكَّرَ، كما حكى أبو زَيْدٍ " لقيته فَيْنَةً " غير مَصْرُوفَة " والفَيْنَةُ بَعْدَ الفَيْنَةِ " أي : الحين بعد الحين، فألحق " لام " التعريف ما استعمل معرفة، ووجه ذلك أنه يُقَدَّرُ فيه التنكير والشيوع، كما يُقَدَّرُ فيه ذلك إذا ثَنَى ".
وقال أبو جَعْفَرِ النحاس : قرأ أبو عبد الرحمن، ومالك بن دينار، وابن عامر :" بالغُدْوَةِ " قال :" وباب غُدْوَة أن يكون معرفة إلاَّ أنَّهُ يجوز تنكيرها كما تُنَكَّرُ الأسماء الأعلام، فإذا نُكَّرَتْ دخلتا الألف واللام للتعريف ".
وقال مَكّي بن أبي طالبٍ " إنما دخلت الألف واللام على " غَدَاة " لأنها نكرة، وأكثر العرب يجعل " غُدْوَة " معرفة فلا يُنَوِّنها، وكلهم يجعل " غَدَاة " نَكِرَةٌ فينوِّنها، ومنهم من يجعل " غُدْوَة " نكرة وهم الأقَلّ " فثبت بهذه النُّقُولِ التي ذكرْتُهَا عن هؤلاء الأئمةِ أن قراءة ابن عامر سَالِمَةٌ من طَعْنِ أبي عُبَيْدٍ، وكأنه - رحمه الله - لم يحفظها لغة.
وأما " العَشيُّ " فنكرةٌ، وكذلك " عَشِيَّة ".
وهل العَشِيُّ مرادِف لـ " عشية " أي : إن هذا اللفظ فيه لغتان : التذكير والتأنيث، أو أن " عَشِيّاً " جَمْعُ " عَشِيَّة " في المعنى على حدِّ " قَمْح " و " قَمْحَة "، و " شعير " و " شعيرة "، فيكون اسم جِنْسٍ، خلاف مشهور، والظاهر الأوَّل لقوله تعالى :﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَاد﴾ [ص : ٣١] إذ المرادُ هنا عِشِيَّة واحدة، واتفقت مصاحفُ الأمْصَارِ على رَسْمِ هذه اللفظة " الغدوة " بالواو وقد تقدَّمَ أن قراءة ابن عامرٍ ليست مُسْتَندَةً إلى مجرد الرسم، بل إلى النَّقْلِ، وثَمَّ [ألْفَاظٌ اتُّفِقَ] أيضاً على رَسْمِهَا بالواو، واتُّفِقَ على قراءتها بالألف، وهي :" الصَّلاة، والزكاة، ومناة، ومِشْكَاة، [والربا، ] والنجارة والحياة "، وحرفٌ اتُّفِقَ على رسمه بالواو، واختلف في قراءته بالألف والواو، وهو " الغَدَاة " وأصْلُ
١٦٣


الصفحة التالية
Icon