غَدَاة : غَدَوَة، تحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقُلِبَتْ ألفاً.
وقرأ ابن أبي عَبْلَةَ :" بالغدوات والعَشِيَّات "، جمع " غَدَاة " و " عشية " وروي عن أبي عبد الرحمن أيضاً " بالغُدُوِّ " بتشديد الواو من غير هاءٍ.
فصل في المراد بالآية قال ابن عبَّاسٍ [معنى الآية] يَعْبُدُون ربَّهُمْ بالغَدَاوةِ والعَشِيّ يعني صلاة الصبح، وصلاة العصر، وهو قول الحَسَنِ ومجاهد.
وروي عنه أن المراد الصلوات الخَمْس، وذلك أن نَاساً من الفقراء كانوا يُصَلُّونَ مع النبي ﷺ فقال ناسٌ من الأشراف :" إذا صَلَّيْنَا فأخِّر فَلْيُصَلُّوا خَلْفنَا " فنزلت هذه الآية.
وقال مُجَاهِدٌ : صليت الصبح مع سَعيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، فلما سلم الإمام ابْتَدَرَ النَّاسُ القاص، فقال سعيد : ما أسرع الناس إلى هذا المَجْلِسِ، فقال مجاهد : فقلت : يَتَأوَّلُونَ قوله تعالى :﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ﴾ فقال : أفي هذا هو ؟ إنما ذلك في الصَّلاةِ التي انصرفنا عنها الآن.
وقال إبراهيم النخعي : يعني : يذكرون رَبَّهُمْ.
وقيل : المُرَادُ حقيقة الدعاء.
قوله :" يُرِيدُونَ " هذه الجملة في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحال من فاعل " يَدْعُونَ " أو من مفعوله، والأوَّل هو الصحيح، وفي الكلام حَذْفٌ، أي : يريدون بدعائهم في هَذَيْنِ الوقتين وجهه.
فصل في الرد على شبهة المجسمة تمسكت المُجَسِّمَةُ في إثبات الأعْضَاء للَّه - تعالى - بهذه الآية، وسائر الآيات
١٦٤
المُنَاسِبَة، كقوله تعالى :﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن : ٢٧] والجوابُ : أن قوله تعالى :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص : ١] يقتضي الوحْدَانيَّة التَّامَّة، وذلك يُنَافِي التركيب من الأعضاء والأجزاء، فثبت أنَّهُ لا بُدَّ من التَّأويل، وهو من وجهين : أحدهما : قوله :﴿يُريدُون وَجْهَهُ﴾، أي : يريدونه إلاَّ أنهم يذكرون [لفظ الوجه للتعظيم كما يقال : هذا وجه الرأي، وهذا وجه الدليل الثاني :] أنَّ من أحَبَّ ذاتاً أحب أن يرى وَجْهَهُ، فرؤة الوَجْه من لوازم المحبَّةِ، فلهذا السَّبَبِ جعل الوجه كِنَايةً عن المَحَبَّةِ، وطلب الرضى.
والثاني : أن المراد بالوجه القَصْدُ والنِّيَّةُ ؛ كقول الشاعر :[البسيط] ٢١٧٩ - أسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْباً لِسْتُ أحْصِيّهُ
رَبَّ العِبَاد إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٦٠
وقد تقدَّم بيانُهُ عند قوله :﴿وَللَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ [البقرة : ١١٥] قوله :﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء﴾ " ماط هذه يجوز أن تكون الحِجَازيَّةَ النَّاصبة للخبر، فيكون " عليك " في مَحَلِّ النصب على أنه خبرها، عند مَنْ يُجَوِّز إعْمَالَهَا في الخبر المُقدَّمِ إذا كان ظَرْفاً أو حرف جَرِّ، وأمَّا إذا كانت تَمِيميَّةً، أو متعيَّناً إهمالُهَا في الخبر المقدِّمِ مُطْلَقاً كان " عليك " في مَحَلِّ رفع خبراً مُقدَّماً، والمبتدأ هو " مِنْ شَيءٍ " زيدت فيه " مِنْ ".
وقوله :" مِنْ حِسَابِهِمْ " قالوا :" مِنْ " تَبْعِيضيَّةٌ، وهي في محل نَصْبٍ على الحال، وصاحبُ الحالِ هُو " مِنْ شيء " ؛ لأنها لو تأخرت عنه لكانت صِفَةً له، وصفة النكرة متى قُدِّمَتْ انْتَصَبَتْ على الحالِ، فعلى هذا تتعلَّقُ بمحذوف، والعاملُ في الحال الاسْتِقْرَارُ في " عليك "، ويجوز أن يكون " مِنْ شَيْءٍ " في مَحَلِّ رفع بالفاعلية، ورافعه " عليك " لاعتماده على النفي، و " مِن حِسَابِهِمْ " حالٌ أيضاً من " شيء " العاملُ فيها الاستقرار والتقديرُ : ما اسْتَقَرَّ عليك شَيءٌ من حسابهم.
وأُجيز أن يكون " مِنْ حِسَابِهِمْ " هو الخَبَر : إمَّا لـ " ما "، وإمَّا للمبتدأ، و " عليك " حالٌ من " شيء "، والعَامِلُ فيها الاسْتِقَرارُ، وعلى هذا فيجوز أن يكون " من حِسَابِهِمْ " هو الرفاع للفاعل على ذاك الوَجْهِ، و " عليك حالٌ أيضاً كما تقدَّمَ تقريره، وكون " مِنْ
١٦٥