حِسَابِهِمْ " هو الخبر، و " عليكط هو الحَلُ غير واضح ؛ لأن مَحَطَّ الفائدة إنما هو " عَليْكَ ".
قوله :﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء﴾ كالذي قبله، إلاَّ أنَّ هنا يَمْتَنَعُ بَعْضُ ما كان جَائِزاً هناك، وذلك أن قوله :" مِنْ حِسَابِكَ " لا يجوز أن يَنْتَصِبَ على الحال ؛ لأنه يلزم تَقّدُّمُهُ على عامله المعنوي، وهو ممتنعٌ، أو ضعيف لا سيَّمَا وقدْ تقدَّمتْ هنا على العامل فيها، وعلى صاحبها، وقد تقدَّم أنَّ الحالَ إذا كانت ظَرْفاً أو حرف جرِّ كان تقديمها على العامل [المعنوي] أحْسَنُ منه إذا لم يكن كذلك، فحينئذٍ لك أن تجعل قوله :" من حِسابِكَ " بياناً وقد تقدَّم خطابه - عليهالصَّلاة والسلام - في الجملتين تَشْريفاً له، ولو جاءت الجملة الثَّانية على نَمَطِ الأولى لكان التركيب " وما عليهم من حِسَابِكَ من شيء " فتقدَّمَ المجرور بـ " على " كما قدَّمه في الأولَى، لكنه عَدَلَ عن ذلك لما تقدَّمَ.
وفي هاتين الجمتلين ما يسميه أهل البَديعِ : رَدَّ الأعْجَاز على الصدور، كقولهم :" عَادَات السَّادَات سادات العادات " ومثله في المعنى قول الشاعر :[الطويل] ٢١٨٠ - وَلَيْسَ الَّذِي حَلِّلْتَهُ بِمُحَلَّلٍ
وَلَيْسَ الَّذي حَرَّمْتَهُ بِمُحَرَّمِ
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٦٠
وقال الزمخشري - بعد كلام قدَّمَهُ في معنى التفسير - : فإن قلت : أما كفى قوله :" ما عليك من حسابِهِمْ من شيء " حتى ضَمَّ إليه :﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء﴾ ؟ قلت : قد جعلت الجملتان بمنزلةِ جُمْلةٍ واحدةٍ، وقصد بها مُؤدَّى واحد، وهو المعنى بقوله :﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام : ١٤٦].
ولا يستقل بهذا المعنى إلاَّ الجملتان جميعاً، كأنه قيل :" لاتُؤاخَدُ أنت ولا هُمْ بحسابِ صاحبه " قال أبو حيَّانك " لا تُؤاخَذُ أنْتَ.......
إلى آخره تركيبٌ غير عربي، لا يجوز عَوْدُ الضير هنا غائباً ولا مُخَاطباً، لأنه إنْ [عاد] عائباً فلم يتقدَّم له اسْمٌ مفرد
١٦٦
غائب يعود عليه، إنما تقدَّم قوله :" هم " ولا يمكن العَوْد عليه على اعْتِقَادِ الاستغناء بالمفرد عن الجمع، لأنه يصير التَّركيب بحساب صاحبهم، وإن أُعيد مُخَاطباً، فلم يتقدَّمْ مخاطب يعود عليه، إنما تقدَّم قوله :" لا تُؤاخَذُ أنْتَ " ولا يمكن العَودُ إليه، فإنه ضمير [مخاطب]، فلا يعود عليه غَائِباً ولو أبْرَزْتَهُ مخاطباً لم يَصِحَّ التركيب أيضاً، فإصْلاحُ التركيب أن يقال :" لا يُؤاخَذُ كُلُّ واحدٍ منك، ولا منهم بحساب صاحبه، أو لا تُؤاخذ أنت بحسابهم، ولا هم بحسابك، أو لا تؤاخذ أنت ولا هم بحسابكم "، فُتَغَلَّب الخِطَابَ على الغَيْبَةِ، كما تقول : أنت وزيد تَضْربَان ".
قال شهابُ الدين : والذي يظهر أن كلام الزمخشري صَحِيحٌ ولكن فيه حذفٌ، وتقديره : لا يُؤاخذ كل واحد : أنت ولا هم بِحِسَابِ صاحبه، وتكون " أنت ولا هُمْ " بَدَلاً من " كل واحد "، والضمير في صاحبه عائدٌ على [قوله :] " كل واحدٍ "، ثم إنه وقع [في] محذور آخر مما أصْلَحَ به كلام الزمخشري، وذلك أنه قال : ولا تُؤاخذ أنت وَلاَ هُمْ بحسابكم، وهذا التركيب يحتمل أن يكون المرادن بل الظَّاهِرُ نَفْيُ المُؤاخَذَةِ بحساب كُلِّ واحدٍ بالنسبة إلى نفسه هو، لا أن كُلّ واحدٍ غير مُؤاخذ بحساب غيره، والمعنى الثَّاني هُوَ المقصود.
والضمائر الثلاثة، أعني التي في قوله :" مِنْ حِسَابِهِمْ " و " عليهم " و " فتطردهم " أيضاً عَوْدُهَا على نوع واحد، وهم الذين يدعون ربَّهم، وبه قال الطبري إلاَّ أنَّهُ فَسَّرَ الحِسابَ بالرِّزْقِ الدُّنْيوي.
وقال الزمخشري، وابن عطية :" إنَّ الضَّمِيريْنَ الأوَّلَيْن يعودان على المشركين، والثالث يعود على الداعين ".
قال أبو حيَّان :" وقيل : الضمير في " حسابهم "، و " عليهم " عائد على [المشركين] [وتكون الجملتان اعْتِرَاضاَ بين النَّهْي وجوابه "، وظاهر عبارته أن الجملتين لا تكونان اعْتِرَاضاً على اعتقادر كون الضميرين في " حِسَابِهِمْ "، و " عليهم " عائدين على المشركين].
وليس الأمر كذلك، بل هما اعْتَرَاضٌ بين النَّهْيِ، وهو " ولا تَطْرُدْ " وبين جوابه وهو " فتكون "، وإن كانت الضمائر كلها للمؤمنين.
ويّدُلُّ على ذلك أنه قال بَعْدَ ذلك في " فتكون " : وجوِّز أن تكون جواباً للنهي في
١٦٧


الصفحة التالية
Icon