سيبويه، والإشارةُ بذلك إلى التفضيل السَّابق، تقديره : مِثْلُ التَّفْصِيل البيَّن، وهو ما سبق من أحوال الأمم نُفَضِّلُ آيات القرآن.
وقال ابن عطية : والإشارةُ بقوله :" وكذلك " إلى ما تقدَّم، من النَّهْيِ عن طَرْدِ المؤمنين، وبيان فَسَاده بِنَزْعِ المعارضين لذلك.
و ﴿نفَصِّلُ الآيَات﴾ نُبَيِّنُهَا ونَشْرَحُهَا، وهذا شبيه بما تقدَّم له في قوله :﴿وَكَذالِكَ فَتَنَّا﴾ [الأنعام : ٥٣] وتقدَّم أنه غير ظاهر.
قوله :" ولتَسْتَبينَ سَبِيلُ " قرأ الأخوان، وأبو بكر :" وليَسْتَبِينَ " بالياء من تحت، و " سَبِيلُ " بالرفع.
ونافع :" وَلِتَسْتَبينَ " بالتَّاء من فَوْق، " سَبِيلَ " بالنصب، والباقون : بالتاء من فوق، و " سبيل " بالرفع.
وهذه القراءات دائرة على تذكير " السبيل " وتأنيثه وتعدي " استبان " ولزومه، وإيضاح هذا أن لغة نجد وتميم تذكير " السبيل " وعليه قوله تعالى :﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ [الأعراف : ١٤٦].
ولغة " الحجاز " التأنيث، وعليه ﴿قُلْ هَـاذِهِ سَبِيلِى ﴾ [يوسف : ١٠٨] وقوله :﴿لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ [آل عمران : ٩٩].
وقوله :[البسيط] ٢١٨٤ - خَلَّ السَّبيلَ لِمَنْ يَبْنِي المَنَارَ بَهَا
.........................
وأمَّا " اسْتَبَانَ " فيكونُ مُتعدِّياً، نحو :" اسْتَبَنْتُ الشَّيء "، ويكون لازَماً نحو :" اسْتَبَانَ الصُّبْحُ " بمعنى " بَانَ " فمن قرأ بالياء من تحت، ورفع فإنه أسْنَدَ الفعل إلى " السَّبيل "، فرفعه على أنه مذكر وعلى أن الفعل لازمٌ.
١٨٠
ومن قرأ بالتَّاء من فوق، فكذلك ولكن لغة التأنيث، ومن قرأ بالتاء من فوق، ونصب " السبيل " فإنه [أسند الفعل إلى المخاطب، ونصب " السبيل " على] المفعولية وذلك على تعديته أي : ولتستبين أنت سبيل المجرمين، فالتاء في " تستبين " مختلفة المعنى، فإنها في إحدى القراءتين للخطابِ، وفي الأخرى للتأنيث وهي في كلا الحالين للمُضارعةِ، و " تستبين " منصوب بإضمار " أن " بعد لام " كي "، وفيما يتعلق به هذه اللام وجهان : أحدهما : أنها معطوفة على عِلَّةٍ محذوفة، وتلك العَلَّةُ معمولة لقوله :" نُفَصّل " والمعنى : وكذلك نُفَصِّلُ الآيات لتستبين لكن ولتستبين.
والثاني : أنها مُتعلِّقةٌ بمحذوف مُقدَّر بعدها، أي : ولتسبين سبيل المجرمين فَصَّلْنَاهَا ذلك التَّفْصَيل، وفي الكلام حَذْفُ مَعْطُوفٍ على رأي، أي : وسبيل المؤمنين كقوله تعالى :﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل : ٨١].
وقيل : لا يحتاج إلى ذلك لأن المقام إنما يَقْتَضِي ذِكْرَ المجرمين فقط ؛ إذ هم الذين أثَارُوا ما تقدم ذكرهُ وقيل : لأن الضَّديْنِ إذا كانا بحيث لا يَحْصُلُ بينما واسطةٌ، فمتى بَانَتْ خَاصيَّةُ أحد القسمين بانت خاصيَّةُ القسمٍ الآخر، والحق والباطل لا وَاسِطَةَ بينهما، فمتى اسْتَبَانَتْ طريقة المجرمين، فقد استبانت طريقة المُحَقِّقين أيضاً لا محالة.
قوله تعالى :﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِين﴾ " أن أعبد " في محل " أن " الخلاف المشهور، إذ هي على حذف حرفٍ، تقديره : نهيت عن أن أعْبُدَ الذين تدعون من دون الله قل : لا أتَّبعُ أهْوَاءَكُمْ في عِبَادَةِ الأوْثانِ، وطرْدِ الفقراء.
قوله :" قَدْ ضَلَلْتُ " بفتح " اللام " الأولى.
وقرأ أبو عبد الرحمن، ويحيى، وابن أبي ليلى أنهما قرءا هنا وفي " ألم السجدة " :﴿أإذا صَلَلْنَا﴾ [السجدة : ١٠] بصاد غير معجمة يقال : صل اللَّحم أي : أنْتَنَ، وهذا له بَعْضُ مُناسبةٍ في آية " السجدة "، وأما هنا فمعناه بعيد أو ممتنع.
وروى العباس عن ابن مجاهد في " الشواذ " له :" صُلِلْنَا في الأرْضِ "، أي : دُفِنَّا في الصِّلَّة، وهي [الأرضُ] الصّلْبَةُ.
١٨١
وقوله :" ومَا أنَا مِن المُهتدينَ " تأكيد لقوله :" قَدْ ضَلَلْتُ " وأتى بالأولى جملة فعلية لِتَدُلَّ على تَجَدُّدِ الفعل وحدوثه، وبالثانية اسمية لتدل على الثبوت.
والمعنى " وما أنا من المهتدين، يعني إن فعلت ذلك، فقد تركت سبيل الحقّ، وسلكت غير سبيل الهدى ".
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٧٩