ياء لانكسار ما قبلها وسكونها، ويظهر على هذه القراءة أن يكون مفعولاً من أجله لولا ما يَأبَاهُ " تَضرُّعاً " من المعنى.
قوله :" لَئِنْ أنْجَيْتَنَا " الظاهر أن هذه الجلمة القسميَّةَ تفسير للدُّعاءِ قبلها ويجوز أن تكون مَنْصُوبَةً المَحلِّ على إضمار القول، ويكون ذلك القول في محلِّ نصب على الحال من فاعل " تدعونه " أي : تدعونه قائلين ذلك، وقد عرف مما تقدَّم غير مرَّةٍ كيفية اجتماع الشرط والقسم.
وقرأ الكوفيون " أنْجَانَا " بلفظ الغَيْبَةِ مُرَعَاةً لقوله " تَدْعُونَهُ " والباقون " أنجيتَنَا " بالخطاب حكاية لخطابِهِمْ في حالة الدعاء، وقد قرأ كُلُّ بما رسم في مصحفه، فإن في مصاحف " الكوفة " : أنْجَانَا "، وفي غيرها :" أنْجَيْتَنَا ".
قوله :" مِنْ هَذِهِ " متعلِّقٌ بالفعل قَبْلَهُ، و " مِنْ " لابتداء الغاية، و " هذه " اشارةٌ إلى الظُّلماتِ، لأنها تجري مجرى المؤنثة الواحدة، وكذلك في " منها " تعود على الظلمات.
وقوله :" ومِنْ كُلِّ كَرْبٍ " عطف على الضمير المجرور بإعادةِ حرف الجر، وهو واجب عند البصريين، وقد تقدَّم.
و " الكَرْبُ " غاية الغَمِّ الذي يأخذ النَّفْسَ.
قوله :" ثُمَّ أنْتُمْ تُشْرِكُونَ " يريد أنهم يُقرُّونَ أن الذي يدعونه عند الشدة هو الذي يُنَجِّيهم، ثم يشركون معه الأصنامَ التي علموا أنها لا تضر ولا تنفع.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٩٩
وهذا نوع آخر من دلائلِ التوحيد مَمْزُوجٌ بالتخويف فبين كونه - تعالى - قادراً على إيصال العذاب إليهم من هذه الطُّرُقِ المختلفة تارة من فوقهم، وتارةً من تحت أرجهلم، فقيل : هذا حقيقة.
فأما العذابُ من فوقهم كالمطرِ النازل عليهم في قِصَّةِ نوح، والصَّاعقةِ، والرِّيحِ، والصَّيْحةِ، ورَمْي أصحاب الفيل.
٢٠١
وأما الذي من تحت أرجلهم : كالرَّجْفَةِ والخَسْفِ، وقيل : حبس المطر والنبات.
وقيل : هذا مجاز.
قال مجاهد وابن عباس في رواية عكرمة :" مِنْ فَوْقِكُمْ " أي : من الأمراء، أو من تحت أرجلكم من العبيد والسَّفلةِ.
قوله :" عَذَاباً مِنْ فَوقكُم " يجوز أن يكون الظَّرْفُ معلِّقاً بـ " نبعث " وأن يكون متعلّقاً بمحذوف على أنه صفةٌ لـ " عذاباً " أي : كائناً من هاتين الجِهَتين.
قوله :" أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً " عطف على " يبعث ".
والجمهور على فتح الياء من " يَلْبِسَكُمْ " وفيه وجهان : أحدهما : أنه بمعنى يخلطكم فِرقاً مختلفين على أهْوَاء شَتَّى كل فرقة مُشَايعة لإمام، ومعنى خَلْطِهِم : إنْشابُ القتالِ بيهم، فيختلطون في ملاحم القتال كقول الحماسي :[الكامل] ٢١٩٠ - وَكَتِيبَةٍ لَبَّسْتُهَا بِكَتيبَةٍ
حَتَّى إَذَا الْتَبَسَتْ نَفَضْتُ لَهَا يِدِي
فَتَرَكُتُهُمْ تَقِصُ الرِّمَاحُ ظُهُورَهُم
ْ مَا بَيْنَ مُنْعَفِرِ وَآخَرَ مُسْنَدِ
وهذه عبارة الزمخشري : فجعله من اللَّبْسِ الذي هو الخَلْطُ، وبهذا التفسر الحسن ظهر تعدِّي " يلبس " إلى المفعول، و " شِيَعاً " نصب على الحال، وهي جمع غير الصدر كقعدت جلوساً.
قال أبو حيَّان :" ويحتاج في جعله مصدراً إلى نقل من اللغة ".
ويجوز على هذا أيضاً أن يكون حالاً كـ " أتَيْتُهُ رَكْضاً " أي : راكضاً، أو ذا ركض.
وقال أبو البقاء : والجمهور على فتح الياء، أي : يَلْبِسُ عليكم أموركم، فحذف حرف الجر والمفعول، والأجود أن يكون التقدير : أو يَلْبِسُ أموركم، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.
فصل في معنى الآية قال الُفَسِّرُونَ : معناه : أن يجعلكم فرقاً، ويثبت فيكم الأهواء المختلفة.
وروى عمرو بن دينار عن جابرٍ، قال :" لما نزلت هذه الآية {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ
٢٠٢