عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ} قال رسوله الله ﷺ :" أعُوذُ بِوَجْهِكَ " قال :﴿أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ قال :" أعُوذُ بِوَجْهِكَ ".
قال :﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ قال رسوله الله ﷺ :" هذا أهْوَنُ أوْ هَذَا أيْسَرُ " وعن عامر بن سعد بن أبي وقَّاصٍ، عن أبيه قال :" أقبلنا مع روسوله الله ﷺ حتى مررنا على مسجد بني مُعاويةَ، فدخل وصلَّى ركعتين، وصلينا معه فناجى ربه طويلاً، ثم قال :" سَألْتُ ربِّي ثلاثاً : ألاَّ يُهْلِكَ أمَّتِي فأعْطَانِيها، وسَالْتُهُ ألاَّ يُهْلِكَ أمَّتِي بالسَّنَةِ فأعْطَانيها، وسَألْتُهُ ألاَّ يَجْعَلَ بأسَهُمْ بَيْنَهُمْ فمنَعَنِيهَا " وعن ابن عُمَرَ أن النبي ﷺ دعا في المسجد، فسأله الله ثلاثاً فأعطاه اثنتين، ومنعه واحدة، سأله ألاَّ يُسَلِّطَ على أمته عدواً من غيرهم يظهر عليهم، فأعطاه ذلك، وسأله ألا يهلكهم بالسِّنين، فأعطماه ذلك، وسأله ألاَّ يجعل بَأسَ بضعهم على بَعْضٍ فمنعه ذلك.
فصل في مزيد بيان عن الآية ظاهر قوله تعالى :﴿أوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعا﴾ أنه يجعلهم على الأهْوَاءِ المختلفة، والمذاهب المُتنافيةِ، والحق منها ليس إلا لواحدٍ، وما سواه فهو باطل، وهذا يقتضي أنه - تعالى - قد يحلم المُكَلَّف على اعتقاد الباطِلِ.
وقوله :﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْض﴾ لا شَكَّ أن أكثرها ظُلم ومعصية، وهذا يدل على كونه - تعالى - خالقاً للخير والشر.
وأجاب الخَصْمُ عنه بأنه الآية تَدُلُّ على أنه - تعالى - قادر عليه، وعندنا أن الله - تعالى - قَادِرُ على القُبْحِ، إنما النزاع في أنه - تعالى - هل يفعل ذلك أم لا ؟ وأجيب بأن وَجْهَ التَّمَسُّكِ بالآية شيء آخر، فإنه قال :" هُوَ القادرُ " على ذلك، وهذا يفيد الحَصْرَ، فوجب أن يكون غَيْرُ الله غَيْرَ قادر على ذلك، وقد حصل الاختلافُ بين الناس، فثبت بِمُقْتَضَى الحَصْر المذكور ألاَّ يكون ذلك صَادِراً عن غير الله، فوجب أن يكون صادراً عن الله، وهو المطلوب.
فصل في إثبات النظر والاستدلال قالت المعتزلة والحَشَويَّة : هذه الآية من أدَلِّ الدلائل على المَنْعِ من النظر
٢٠٣
والاستدلال ؛ لأن فَتْحَ تلك الأبواب يفيد وقوع الاختلاف، والمُنازعة في الأديان، وتفريق الخلائقِ إلى هذه المذاهبِ والأديان، وذلك مَذْمُومٌ بهذه الآية، والمُفْضِي إلى المذموم مَذْمُومٌ، فوجب أن يكون فتح باب النظر والاستدلال مَذْمُوماً.
وأجيبوا بالآيات الدالة على وجوب النَّظَرِ والاستدلال كما تقدَّم مِرَاراً.
فصل في قراءة " يلبسكم " قرأ أبو عبد لاله المدني :" يُلْبِسَكُمْ " بضم الياء من " ألْبَسَ " رباعياً، وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون المفعول الثَّاني مَحْذُوفاً، تقديره أو يُلْبِسكم الفِتْنَةَ، و " شيعاً " على هذا حالٌ، أي : يلبسكم الفِتْنَةَ في حال تفرُّقِكُمْ وشَتَاتِكُمْ.
الثاني : أن يكون " شيعاً " هو المفعول الثاني، كأنه جعل النَّاس يلبسن بعضهم مجازاً كقوله :[المتقارب] ٢١٩١ - لَبِسْتُ أنَاساً فَأفْنَيْتُهُمْ
وأفْنَيْتُ بَعْدَ أنَاسٍ أنَاسَا
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠١
والشِّيعَةُ : من يَتَقوَّى بهم الإنسان، والجمع :" شيع " كما تقدم، و " أشْيَاع "، كذا قال الراغب، والظاهر أن " أشْيَاعاً " جمع " شِيعَ " كـ " عنب " و " أعْنَاب "، و " ضِلَع " و " أصْلاع " و " شيع " جمع " شِيْعَة " فهو جمع الجمع.
قوله :" ويُذيْقَ " نَسَقٌ على " يِبْعَث "، والإذاقَةُ اسْتِعَارةٌ، وهي فاشية :﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَر﴾ [القمر : ٤٨]، ﴿ذُقْ إِنَّكَ﴾ [الدخان : ٤٩]، ﴿فَذُوقُواْ العَذَابَ﴾ [الأنعام : ٣٠].
وقال :[الوافر] ٢١٩٢ - أذَقْنَاهُمْ كُئُوسَ المَوْتِ صِرْفاً
وَذَاقُوا مِنْ أسِنَّتِنَا كُئُوسَا
وقرأ الأعمش :" ونُذِيِقَ " بنون العظمة، وهو التْتِفَاتٌ، فائدته تعظيم الأمر، والتحذير من سطوَتِهِ.
قوله :﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون﴾ قال القاضي : هذا يَدُلُّ على أنه - تعالى أراد بتصريف الآيات، وتقرير هذه البيِّنات أن يفهم الكل تلك الدلائل، ويفقه الكل تلك البيِّنات.
وأجيب بأن ظاهِرَ الآية يَدُلُّ على أنه - تعالى - ما صرَّف هذه الآيات إلا لمن فقه
٢٠٤


الصفحة التالية
Icon