عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بالمَاءِ حَاتِمِ
بجر " حاتم " بدلاً من الهاء في " جوده "، والقوافي مجرور لكان أوْلَى.
والإبْسَالُ : الارتهان، ويقال : أبْسَلْتُ ولدي وأهلي، أي أرْتَهَنْتُهُمْ ؛ قال :[الوافر] ٢٢٠٣ - وإبْسِالِي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ
بَعَوْنَاهُ ولا بِدّمٍ مُرَاقِ
٢١٣
بَعَوْنَا : جَنَيْنَا والبَعْوُ : الجِنَاية.
وقيل : الإبْسَالُ أن يُسْلِمَ الرجل نفسه للهَلَكَةِ وقال الراغب :" البَسْلُ : ضَمُّ الشيء ومنعه، ولتَضَمُّنِهِ معنى الضَّمِّ استعير لتَقَطُّبِ الوَجْهِ، فقيل : هو باسل ومُبْتسلٌ الوجه، ولتضمينه معنى المنع قيل للمُحَرَّم والمرتهن : بَسْلٌ "، ثم قال : والفرقُ بين الحرام والبَسْل أنَّ الحرام عام فيما كان ممنوعاً منه بالقَهْرِ والحكم، والبَسْلُ هو الممنوع بالقَهْرِ، وقيل للشجاعة : بَسَالَة ؛ إما لما يوصف به الشجاع من عنُبُوس وَجْهِهِ، ولأنه شديد البُسُورَةِ يقال بسر الرجل إذا استد عبوسه، وقال تعالى :﴿ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ﴾ [المدثر : ٢٢] فإذا زاد قالوا بَسَلَ، أو لكونه محرماً على أقرانه، أو لأنه يَمْنع ما حَوْزتِهِ، وما تحت يده من أعدائه والبُسْلَةُ، أجْرَةُ الرَّاقِي مأخوذة من قول الرَّاقي : أبْسَلْتُ زيداً ؛ أي : جَعَلْتُهُ مُحَرَّماً على الشيطان، أو جعلته شجاعاً قويَّا على مُدافعتِهِ، و " بَسَل " في معنى " أجَلْ " و " بَسْ ".
أي : فيكون حَرْفَ جواب كـ " أجل "، واسم فعل بمعنى اكتف كـ " بس ".
وقوله " بما " متعلّق بـ " تُبْسَلَ "، أي بسبب، و " ما " مصدرية، أو بمعنى " الذي "، أو نكرة وأمرها واضح.
فصل في معنى التبسل قال مجاهد وعكرمة والسدي : قال ابن عبَّاس :" تُبْسَل " : تَهْلِكُ، وروي عن ابن عباس تُرتهنُ في جَهنَّم بما كسبت في الدنيا، وهو قول الفراء.
وقال قتادة : تُحْبَسُ في جهنم.
وقال الضحاك : تُحْرَقُ.
وقال الأخفش : تُجَازَى.
وروي عن ابن عباس : تُفضحُ وقال ابن زيد : تُؤخَذُ.
قوله :" لَيْسَ لَهَا " هذه الجملة فيها ثلاثة أوجه : أحدها : أنها مُسْتأنَفَةٌ سِيقَتْ للإخبار بذلك.
والثاني : أنها في مَحَلِّ رفع صفة لـ " نفس ".
٢١٤
والثالث : أنها في مَحَلِّ نَصْبِ حالاً من الضمير في " كسبت ".
قوله :" مِنْ دُون " في " مِنْ " وجهان : أظهرهما : أنها لابْتِدَاءِ الغاية.
والثاني : أنها زَائِدَةٌ نقله ابن عطية، وليس بشيءن وإذا كانت لابتداء الغايةِ، ففيما يتعلَّق به وجهان : أحدهما : أنها حالٌ من " وليّ " ؛ لأنها لو تأخَّرَتْ لكانت صِفَةً له فتتعلَّقُ بمحذوف هو حال.
الثاني : أنها خبر " ليس " فتتعلَّق بمحذوف أيضاً وهو خبر لـ " ليس "، وعلى هذا فيكون " لها " متعلقاً بمحذوف على البيان، كما تقتدم نظيره، و " من دون الله " فيه حذف مُضَاف أي : من دون عذابه وجزائه وَليّ ولا شفيع يشفع لها في الآخرة.
قوله :" وإن تَعْدِلط أي : تَفْتَدِي " كُلَّ عَدْلٍ " : كُلّ فداء، و " كل " منصوب على المصدرية ؛ لأن " كل " بحسب ما تضاف إليه هذا هو المشهور، ويجوز نَصْبُهُ على المفعول به ؛ أي : وإن تلإسِ يَداهَا كُلَّ ما تَفْدِي به لايُؤخَذُ، فالضمير في " لا يؤخَذُ " على الأوَّل، قال أبو حيَّان :" عائد على المَعْدُولِ به المفهوم من سياق الكلام، ولا يعود إلى المصدر ؛ لأنه لا يُسْنَدُ إليه الأخْذُ، وأما في ﴿وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ [البقرة : ٤٨] فبمعنى المَفْدِيَّ به فيصح " انتهى.
أي : إنه إنما أسند الأخْذَ إلى العَدْلِ صريحاً في " البقرة " ؛ لأنه ليس المراد المصدر، بل الشيء المَفْدِيَّ به، وعلى الثَّاني يعود على " كل عدل " ؛ لأنه ليس مصدراً فهو كآية البقرة.
وقال ابن الخطيب : ويكن حَمْلُ الأخذ هنا بمعنى القَبُولِ ؛ قال تعالى ﴿وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [التوبة : ١٠٤] أي : يقبلها وإذا [ثبت هذا فيُحْمَلُ] الأخذ هاهنا على القبول ويزول المحذور، وفي إسناد الأخْذِ إلى المصدر عبارة عن الفعل يعني يؤخذ مسنداً " إلى " منها لا إلى ضميره أي : لأن العدل بالمعنى المصدري لا يؤخذ، بخلاف قوله :﴿وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْل﴾ فإنه المَفْدِيُّ به.
قوله :﴿أُوْلَـائِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ﴾ يجوز أن يكون " الَّذينَ " خبراً، و " لهم شراب " خبراً ثانياً، وأن يكون " لهم شراب " حالاً ؛ إما من الضمير في " أبْسِلواط وإمَّا من الموصول نفسه، و " شراب " فاعلٌ لاعتماد الجار قبله على ذِي الحالِ، ويجوز أن يكون " لهم شراب " مُسْتَأنفاً، فهذه ثلاثة أوجه، ويجوز أن يكون " الذين " بدلاً من " أولئك " أو نعتاً فيتعين أن يكون الجملة من " لهم شراب " خبراً للمبتدأ، فيحصل في الموصُولِ أيضاً ثلاثة
٢١٥


الصفحة التالية
Icon