الثالث : أنه نعت للهاء في " له "، وهذا إنما يتمشى على رأي الكسائي حيث يُجِيزُ نعت المضمر بالغائب، وهو ضعيف عند البصريين والكوفيين غير الكسائي.
فصل في بيان المقصود من ذكر أحوال البعث أعلم أنه - تعالى - ما ذكر أحوال البعث في القيامة إى وقرَّ فيه أصلين : أحدهما : كونه قادراً على المُمْنكِنَاتِ.
والثاني : كونه عالماً بكل المعلومات ؛ لأن بقدير : ألاَّ يكون قادراً على كل الممكنات لم يَقْدِرْ على البعث والحشر، وردِّ الأرواح إلى الأجساد، وبتقدير ألاَّ يكون عالماً بجميع الجزئيات لم يَصِحَّ ذلك فيه ؛ لأنه ربما اشْتَبَهَ المُطِيعُ بالعاصي والمؤمن بالكافر، فلا يحصل المَقْصُودُ الأصلي من البعث والقيامة، أما إذا ثبت حصول هذهين الصفتين، كمل الغرض، فقوله :﴿وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ﴾ يدل على كمال القُدْرَةِن وقوله ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ يدلُّ على كمال العلم، فلزم بمجموعهما أن يكون قوله حقاً وحكمة وصدقاً، وقضاياه مُبَرَّأةً عن الجَوْرِ والعبثِ، ثم قال تعالى :﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير﴾ والحكيم : هو المصيب في أفعاله، والخبير : هو العالم بحقائقها من غير اشْتِبَاهٍ.
والله أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٣
أعلم أنه - تعالى - يَحْتَجُّ كثيراً على مشركي العرب بأحوال إبراهيم - عليه السلام - وذلك لأنه رَجُلٌ يَعْتَرفُ بِفَضْلِهِ جميع الطوائف والملل، فالمشركون كانوا معترفين بفضله، مُتَشَرِّفين بأنهم من أولاده، وسائر الملل تعظمه، فلهذا السبب ذكر الله حالُ في معرض الاحتجاج، والسبب في حصوله هذه المرتبة العظيمة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام أنّه سلَّمَ قلبه للعرفانن ولسانهُ للبرهان، وبَدنَهُ للنيران، وولدَهُ للقربان، ومَالهُ للضِّيفانِ.
أما تسليم قلبه للعرفان، فهو قوله :﴿أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة : ١٣١].
وأما تسليم لسانه للبرهان : فَمُنَاظَرتُهُ مع نمرود، حيث قال :﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ [البقرة : ٢٥٨] ومناظرته مع الكفار بالفعل حين كسَّر أصنامهم، وجعلها جُذَاذاً، وقوله بعد ذلك :﴿أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّكُمْ﴾ [الأنبياء : ٦٦].
وأما تسليم بدنه للنيران : فحين ألْقِيَ فيها.
وأما تسليم ولده لِلْقُربانِ : فحين أمر بذبح ولده " فَتَلَّهُ للجَبِينِ ".
وأما تسليم ماله للضيفان : فمشهورة.
قوله :" وإذا قال " " إذا " منصوب بفعل محذوف، أي : اذكر، وهو معطوف على
٢٢٨
" أقيموا " : قاله أبو البقاء، وقال : في محل خَفْضٍ بالظرف.
قوله :" آزَرَ " الجمهور على " آزرَ "، مفتوح الزاي والراء، وإعرابه حينئذ على أوجه : أحدها : أنه بدلٌ من أبيه، أو عطف بيان له إن كان آزر لَقَباً له، وإن كان صفة له بمعنى المخطئ [كما قال الزجاج] أو المعوج كما قاله الفراء، وسليمان التيمي، أو الشيخ الهرم كما قاله الضحاك فيكون نعتاً لـ " أبيه "، أو حالاً منه بمعنى : وهو في حال اعْوِجَاج أو خطأ، وينسب للزجاج.
وإن قيل : إن " آزر " كان اسم صنم كان أبوه يعبده، كما قاله سعيد بن المسيب ومجاهد، فيكون إذ ذاك عطف بيان لـ " أبيه " أو بدلاً منه، ووجه ذلك أنه لما لازم عبادته نُبِزَ به وصار لقباً له كما قال بعض المحدثين :[البسيط] ٢٢٠٨ - أدْعَى بِأسْمَاءَ نَبْزاً فِي قَبَائِلِهَا
كَأنَّ أسْمَاءَ أضْحتْ بَعْضَ أسمَائِي
كذا نَسَبَهُ الزمخشري إلى بعض المحدثين، ونسبه أبو حيان لبعض النحويين.
قال الزمخشري :" كما نبز ابن قيس بـ " الرقيات " [اللاتي كان يُشبِّبُ بهن فقيل : ابن قيس الرُّقَيَّات " ] أو يكون على حذف مضاف، أي لـ " أبيه " عابد آزر، ثم حذف المضافن وأقيم المضاف إليه مُقَامَهُ، وعلى هذا فيكون عابد صفة لـ " أبيه " أعْرِبَ هذا بإعرابه، أو يكون منصوباً على الذَّمِّ.
و " آزر " ممنوع من الصرف، واختلف في عِلِّةِ منعه، فقال الزمخشري : والأقرب أن يكون وزن " آزر " " فاعل " كـ " عابر " و " شالخ " و " فالغ " فعلى هذا هو ممنوع للعميّة والعُجْمَةِ.
وقال أبو البقاء : ووزنه " أفعل " ولم ينصرف للعُجْمَةِ، والتعريف على قول من لم يشتقه من الأزر أو الوزر، ومن اشْتَقَّهُ من واحد منهما قال : هو عربين ولم يصرفه للتعريف، ووزن الفعل، وهذا الخلاف يشبه الخلاف في " آدم " وقد تقدَّم أن اختيار الزمخشري فيه أنه " فاعل " كـ " عابر " ومن جرى على ذلك، وإذا قلنا بكونه صِفَةً على ما قاله الزَّجَّاجُ بمعنى المخطئ، أو بمعنى المعوج، أو بمعنى الهرم، كما قاله الفراء
٢٢٩