يريد أفعنك بَرْقٌ، وقد خرجَّه أبُو حيَّان على احتمال كَوْنِهَا عاطفة، وحذف المعطوف، والتقديرُ : أفعنك لا عن غَيْرِك.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٩
الضمير في " منها " قال ابن عباس :" يُريدُ من الجنَّة ؛ لأنه كان من سُكَّانها "
٣٥
قال ابن عباس : كان في عدنٍ، لا في جنَّة الخلْدِ.
وقيل : تعودُ على السَّمَاءِ، لأنه روي عن ابن عباس :" أنَّهُ وَسْوَسَ إليهما وهو في السَّمَاءِ "، ولأنَّ الهبوط إنَّما يكون من ارتفاع.
وقيل : يعود على الأرْضِ، أمِر أن يخرج منها إلى جَزائر البحار ولا يدخل في الأرض إلا كالسَّارِقِ.
وقيل : يَعُودَ على الرُّتْبَةِ المُنيفَةِ، والمَنْزِلَةِ الرَّفيعَةِ.
وقيل : يَعُودُ على الصُّورةِ والهيئة الَّتي كان عَلَيْهَا ؛ لأنَّهُ كان مُشْرِقَ الوَجْهِ فَعَادَ مظلماً.
قوله :" فَاخْرُجْ " تَأكِيدٌ لـ " اهْبِطْ " إذْ هو بمعناهُ.
وقوله :" فِيهَا " لا مفعوم لهُ يعني : أنَّهُ لا يتوهَّمُ أنَّهُ يجوزُ أنْ يتكبَّرَ في غَيْرَهَا ولما اعْتَبَر بَعْضَهُمْ ؛ احْتَاجَ إلى تقدير حذفِ مَعْطُوفٍ كقوله :﴿تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل : ٨١] قال : والتقدير :" فَمَا يَكُونُ لَكَ أنْ تَتَكَبَّرَ فيها، ولا في غيرها إنَّكَ من الصَّاغِرينَ، الأذلاَّء، والصَّغَارُ الذُّلُّ والإهانة ".
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٣٥
قوله :﴿قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أي : أخرنِي، وأمْهِلْني فلا تميتني إلى يوم يُبعَثُونَ من قُبُورهم، وهي النَّفْخَةُ الأخِيرَةُ عند قِيَام السَّاعَةِ.
والضَّميرُ في " يُبْعَثُونَ يعودُ على بَنِي آدَمَ لدلالة السِّياقِ عليهم، كما دَلَّ على ما عاد عليه الضَّميرانِ في " منها " وفيها كما تقدم.
قوله : فـ ﴿إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ﴾ قال بعضُ العُلَمَاءِ، إنَّهُ تعالى أنظره إلى النَّفْخَةِ الأولى ؛ لأنَّهُ تعالى قال في آيةٍ أخرى :﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [الحجر : ٣٧، ٣٨]، المراد منه اليوم الذي يموت فيه الأحْيَاءُ كلهُمْ.
وقال آخرون : لم يُوقِّتِ اللَّهُ تعالى له أجلاً بل قال :﴿إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ﴾ وقوله في الآيةِ الأخْرَى ﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ المرادُ منه الوقت المَعْلُومُ في عِلْمِ الله تعالى.
قالوا : والدَّليلُ على صِحَّتِهِ : أنَّ إبليس كان مُكَلَّفاً، والمُكَلَّفُ لا يجوزُ أن يعلم أنَّ اللَّهَ تعالى أخَّرَ أجَلَهُ إلى الوقت الفُلانِيِّن لأنَّ ذلك المُكَلّفَ يعلمُ أنَّهُ متى تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وإذا علم أنَّ وقت موته هو الوَقْتُ الفُلانِيُّ أقدم على المعصية بقلب فارغ، فإذا قَرُبَ وَقْتُ أجَلِهِ ؛ تاب عن تلك المعاصي، فَثَبَتَ أن تعريف وقت المَوْتِ بعينه يَجْرِي
٣٦


الصفحة التالية
Icon