و " الخصفُ " : الخَرْزُ في النِّعالِ، وهو وَع طريقة على أخرى وخرْزهما، والمِخْصَفُ : ما يُخْصَفُ به، وهو الإشفَى.
قال رُؤبَةُ :[الكامل] ٢٤٤٠ -.....................
أنْفِهَا كالمِخْصَفِ
والخَصْفَةُ أيضاً : الحُلَّةُ للتَّمْر، والخَصَفُ : الثِّيابُ الغَلِيظَةُ، وخَصَفْتُ الخَصْفَةَ : نَسَجْتُهَا، والأخْصَف : الخَصِيفُ طعام يبرق، وأصْلُهُ أن يُوضَعَ لَبَنٌ ونحوه في الخَصْفَةِ فَيتلوَّنُ بلونها.
وقال العبَّاسُ يمدحُ النَّبِيَّ ﷺ :[المنسرح] ٢٤٤١ -...
طِبْتَ فِي الظِّلالِ وَفِي
مُسْتَودَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرَقُ
يشير إلى الجَّنَّةِ أي حَيْثُ يخرز، ويطابق بعضها فوق بعض.
فصل قال المُفَسِّرُون : جعلا يَخْصِفَانِ ويرقعان ويلْزِقَانِ ويصلانِ عليهما من ورق الجنَّةِ، وهو ورق التِّين حتى صار كهيئة الثَّوْبِ.
قال الزَّجَّاجُ : يجعلان ورقةً على وقرةٍ لِيَسْتُر سَوْءَاتِهِمَا.
وروى أبَيُّ بنُ كعبٍ عن رسول الله ﷺ :" كان آدَمُ طوالاً كأنَّهُ نَخْلَةٌ سحوق كثيرة شَعْرِ الرَّأسِ، فلما وقع بالخطيئة بَدَتْ له سوأته، وكان لا يراها فانْطَلَقَ هَارِباً في الجنَّةِ،
٦٣
فعرضت له شجرةٌ من شجر الجنَّةِ فحبسته بشَعْرِهِ فقال لها أرسِلِيني ؛ قالت : لَسْتُ بِمُرْسِلَتكَ، فَنَادَاهُ ربُّهُ : يا آدمُ أين تَفِرُّ قال : لا يَا رَب، ولكني استحييتك " وفي الآية دليل على أنَّ كَشْفَ العَوْرَةِ قبيحٌ من لدن آدم، ألا تَرَى أنَّهُُما كيف بادرا إلى السَّتْرِ، لما تقرَّر في عقلهما من قُبْحِ كَشْفِ العورة.
قوله :" عليهما " قال أبُو حيَّان : الأَوْلى أن يعود الضَّمِيرُ في " عليهما " على عَوْرَتَيْهِمَا، كَأنَّهُ قيل : يَخْصِفَانِ على سَوءأتيهما، وعاد بضمير الاثنين ؛ لأنَّ الجمع يُرَادُ بن اثنان.
ولا يَجُوزُ أن يعود الضَّميرُ على آدَمَ وحوَّاءَ ؛ لأنَّهُ تَقرَّرَ في علم العربيَّةِ أنَّهُ لا يتعدَّى من فعل الظَّاهِر والمُضْمَرِ المتَّصل إلى الضمير المتصل إلى الضمير المتصل المنصوب لفظاً أو مَحَلاًّ في غير باب " ظَنّ "، و " قَعَدَ " و " عَدمَ "، و " وَجَد " لا يجُوزُ زيد ضربه، ولا ضَرَبَهُ زيد، ولا زَيْدٌ مَرَّ به، ولا مَرَّ به زيدٌ، فلو جعلنا الضَّمِيرَس في " عَلَيْهِمَا " عائداً على آدم وحوَّاءَ لَلَزِمَ من ذلك تعدِّي يَخْصِفُ إلى الضَّميرِ المنصوب مَحَلاًّ، وقد رفع الضَّمير المتَّصِل، وهو الألف في " يَخْصِفَانِ "، فإن أخِذَ ذلك على حَذْفِ مُضافٍ مراد ؛ جَازَ ذلك، تقديره : يَخْصِفانِ على بَدَنَيْهِمَا.
قال شهابُ الدِّين : ومثل ذلك فيما ذكر ﴿وَهُزِّى إِلَيْكِ﴾ [مريم : ٢٥].
﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ [القصص : ٣٢].
وقول الشاعر :[المتقارب] ٢٤٤٢ - هَوِّنُ عليْكَ فإنَّ الأمُورَ
بِكَفِّ الإلهِ مَقَادِيرُهَا
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦٠
وقوله :[الطويل] ٢٤٤٣ - دَعْ عَنْكَ نَهْباً صِيحَ في حَجَرَاتِهِ
ولكِنَ حَدِيثاً ما حَدِيثُ الرَّوَاحِلِ
قوله :" مِنْ وَرَقِ " يحتملُ وَجْهَيْنِ : أن تكون " مِن " لابتداء الغايةِ وأن تكون للتَّبعيضِ.
؟ و " نَادَاهُمَا رَبُّهُمَا " لم يصرِّحْ هنا باسم المنادى للعلم به.
وقوله :" أَلَمْ أنْهَكُمَا " يجوزُ أن تكون هذه الجُمْلَةُ التقديريَّةُ مفسِّدة للنداء لا محلّ لها
٦٤
ويحتمل أن يكُونَ ثَمَّ قول مَحْذُوفٌ، هي مَعْمُولَةٌ له أي : فقال : لم أنْهَكُمَا.
وقال بعضَهُم : هذه الجُمْلَةُ في مَحَلِّ نَصْبٍ بقولٍ مُقدَّرٍ ذلك القَوْلُ حال تقديره : وناداهما قَائِلاً ذلك.
و " لَكُمَا " متعلِّقٌ بـ " عَدُوّ " لما فيه من معنى الفِعْل، ويجوز أن تكون متعلِّقة بمَحْذُوفٍ على أنها حالٌ من " عَدٌوِّ " ؛ لأنَّهَا تأخّرَتْ لجاز أن تكون وصفاً.
فصل في قوله " ألم أنهكما " معنى قوله :﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾ يعني : عن الأكْلِ منها وأقل لَكُمَا : إنَّ الشَّيْطانَ لكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ.
قال ابن عبَّاس : بيَّن العداوة حَيْثٌ أبي السُّجُود وقال :﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الأعراف : ١٦].
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦٠