قوله :﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ : ضررناها بالمِعْصِيَةِ، وتقدَّمَ تفسِيرُهَا في سُورةِ البقَرةِ، وأنَّها تَدُلُّ على صدور الذَّنْبِ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، إلاَّ أنَّا نقُولُ : هذا الذَّنْبُ إنَّمَا صَدَرَ عنه قَبْلَ النُّبُوَّةِ.
وفي قوله :﴿قَالاَ رَّنَا ظَلَمْنَا أنْفُسنَا﴾ فائدةٌ : حَذْف حرف النداء هنا تعظيم المُنَادَى، وتَنْزِيهُهُ.
قال مَكِّي : كَثُر نِدَاءُ الرَّبِّ بحذف " يَا " من القرآن، وعلّةُ ذلك أن في حذف " يا " من نداء الرَّب معنى التَّعْظِيم والتنزيه ؛ وذلك أنَّ النداءَ فيه طَرَف من معنى الأمر ؛ لأنَّكَ إذا قُلْتَ : يا يزيدُ فمعناه : تعالا يا زَيْدُ أدعوك يا زَيْدُ، فحُذِفَتْ " يا " من نداء الرَّبِّ ليزول معنى الأمر يونقص، لأنَّ " يا " تُؤكِّده، وتُظهرُ معناهُ، فكان في حذف " يا " الإجلال، والتعظيم، والتنزيه.
قوله :﴿وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا﴾ هذا شرط حُذِفَ جوابه لدلالة جواب القسم المقدَّر عليه، فإن قيل : حرف الشَّرْطِ لام التَّوْطِئَةِ للقسم مقدرة كقوله :﴿وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ﴾ [المائدة : ٧٣] ويَدُلُّ على ذلك كثرةُ ورُوُدِ لامِ التَّوْطِئَةِ قبل أداة الشَّرطِ في كلامهم.
وتقدَّم إعرابُ ما بعد ذلك في البقرة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦٤
وهذا خطابٌ يجبُ أن يتناول الثلاثة الذين تقدَّمَ ذِكرُهُم وهم : آدمُ، وحوَّاءُ، وإبليسُ، فالعداوة ثَابِتَةٌ بين الإنس والجنِّ، لا تزول ألْبَتَّةَ.
٦٥
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦٥
الكِنَايَةُ عائدةٌ إلى الأرض المذكورة في قوله :﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْض﴾ [الأعراف : ٢٤].
وقرأ الأخوان وابنُ ذكوان " تَخْرُجونَ " هنا، وفي الجاثية [٣٥] ﴿فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا﴾، وفي الزخرف [١١] : و ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾، وفي أوَّلِ الروم [١٩] :﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ قرءُوا الجميع مبنياً للفاعل، والباقون قرءوه مبنيّاً للمفعول، وفي أوَّلِ الرُّوم خلاف عن ابن ذكوان، واحترزنا بأوَّل الروم [٢٥] عن قوله :﴿إِذَا أَنتُمْ تُخْرُجُونَ﴾ [فإنَّهُ قرأ] مبنياً للفاعل.
من غير خلاف، ولم يذكر بعضهم موافقة ابن ذكوان للأخوين في الجاثية.
والقراءتَانِ واضِحَتَانِ.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٦٥
في نظم الآية وجهان : أحدهما : أنَّهُ تعالى لما بيَّنَ أنَّهُ أمر آدم وحوَّاءَ بالهُبُوطِ إلى الأرض، وجعل الأرض لهما مُسْتَقَرّاً بين بعده أنَّهُ تعالى أنزل كلَّ ما يحتاجون إليه في الدُّنْيَا، ومن جملة ما يُحتاج إليه في الدِّين والدُّنيا اللِّباس.
والثاني : أنَّهُ تعالى لمّا ذكر واقعة آدم في انكشاف العَوْرَةِ، وأنَّهُ كان يخصف الورق على عَوْرَتَيْهِمَا، أتبعه بأن بيَّنَ أنَّهُ خلق اللِّباسَ للخلق، ليستروا به عَوْرَتَهُم، ونبه بتكون الأشياء التي يَحْصُلُ منها اللِّبَاسُ، فصار كأنَّهُ تعالى أنزل اللِّباسَ أي : أنزل أسْبَابَهُ، فعبَّر بالسَّبَبِ عن المُسَبِّبِ.
وقيل : معنى " أنْزَلْنَا " أي : خلقنا لكم.
وقيل : كلُّ بَرَكاتِ الأرضِ منسوبةٌ إلى السَّماءِ كقوله تعالى :﴿وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ﴾ [الحديد : ٢٥] وإنَّما يُسْتَخْرَجُ الحديدُ من الأرْضِ، وقوله :﴿وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الزمر : ٦].
وسبب نزلو هذه الآية أنَّهُم كانُوا يطوفون بالبَيْتِ عُرَاةً، ويقولون : لا نطوفُ في ثياب عصينا الله فيها، فكان الرِّجالُي يطوفون بالنَّهارِ، والنِّسَاءُ باللَّيْلِ عراة.
قال قتادة.
٦٦
كانت المرأة تطوف، وتضع يَدَهَا على فَرْجِهَا، وتقول :[الرجز] ٢٤٤٤ - أَليَوْمَ يَبْدُوا بَعْضُهُ أوْ كُلُّهُ
وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلاَ أحِلُّهُ


الصفحة التالية
Icon