النَّاسَ سُكَارَى } [الحج : ٢] من شدة الخوف، وأجاب هؤلاء عن هذه الآية الكريمة بأنَّ معناها : أن أمرهم يؤولُ إلى الإمن والسرور، كقول الطَّبِيبِ للمريض :" لا بأس عليك " أي : يؤولُ أمرك إلى العافية والسلامة، وإن كان في الوقت في بأس من علته.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٠٠
قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ ؛ أي الآيات التي يجيء بها الرُّسل - عيهم الصَّلاة والسَّلام - ﴿وَاسْتَكْبَرُواْ﴾ أي أبوا عن قوبلها وتكبروا عن الإيمان بها وذكر الاستكبار لأنَّ كلَّ كاذب وكافر متكبِّ ﴿قال سبحانه وتعالى :{إِنَّهُمْ كَانُوا ااْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات : ٣٥] ألا ﴿أُوْلَـائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وهذه الآية تدل على أنَّ الفاسق من أهل الصَّلاة لا يخلد في النار ؛ لأنَّهُ تبارك وتعالى بين أن المكذبين بآيات اللَّه والمستكبرين عن قبولها هم الذين يبقون مخلدين في النار.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٠١
قوله :﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾ وهذا يجرع إلى قوله تعالى ﴿وَالَّذَينَ كَذَّبُواْ﴾ أي فمن أظلم ظلماً ممن يقول على اللَّهِ ما لم يعلمه أو كذب بما قاله، والأوَّلُ : هو الحكم بوجود ما لم يوجد.
والثاني : هو الحكيم بإنكار ما وجد.
والأول يدخلُ فيه قول من أثبت الشريك للَّه تعالى سواء كان ذلك الشريك عبارة عن الأصنام أو الكواكب أو عن مذهب القائلين بيزدان وأهرمن ويدخل فيه قول من أثبت للَّه تعالى البنات والبنين ويدخل فيه من أضاف الأحكام الباطلة إلى اللَّه عز وجل.
وثالني : يدخل فيه قول من أنْكَرَ كون القرآن العظيم كتاباً نازلاً من عند الله تعالى وقول مَنْ أنْكَرَ نبوة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
قوله :﴿أُوْلَـائِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ﴾.
قيل المراد بذلك النَّصِيبِ هو العذاب قاله الحسنُ والسُّدِّيُّ أي : ما كتب لهم في اللَّوْحِ المحفوظِ من العذاب وسواد الوجوه وزرقةِ العيون قال عطية عن ابن عباس -
١٠٢
رضي الله عنهما - : كتب لمن يفتري على اللَّه سواد الوجه.
قال تعالى ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر : ٦٠].
وقيل المراد بـ " النصيب " أن أهل الذمة يجب علينا أن لا نتعدى عليهم، وأن ننصفهم ونذب عنهم.
وقال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - وسعيدُ بنُ جبير - رضي الله عنه - ومجاهدٌ : ما سبق لهم من السّعاد والشٌّاوة، فإن قضى اللَّهُ لهم بالختم على الشّقاوة أبقاهم على كفرهم، وإن قضى لهم بالختم على السعادة ؛ نقلهم إلى الإيمان وقال الرَّبيعُ، وابنُ زَيْدٍ ومحمَّدُ بن كعب القرظيُّ : ما كتب لهم من الأرْزَاقِ والأعمار، والأعمال، فإذا فَنِيَتْ وانقضت ﴿جَاءَتْ رُسُلنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾.
قوله تعالى " مِنَ الكِتَابِ " في محلّ الحال من نَصِيبُهُم أي : حال كونه مستقراً من الكتاب و " مِنْ " لابتداء الغاية.
قوله :" حَتَّى " هنا غاية، و " إذَا " وما في حيزها تقدَّم الكلام عليها هل هي جارة، أو حرف ابتداء ؟ وتقدَّم عبارة الزَّمخشريُّ.
واختلفوا فيها إذا كانت حرف ابتداء أيضاً.
فقال ابْنُ درستويه هي حينئذٍ جارَّة، وتتعلَّق بما قبلها تعلّق حروف الجرِّ من حيثُ المعنى لا مِنء حيثُ اللفظ، والجملة بعدها في محل جرٍّ.
وقال الجمهورُ : إذا كانت حرف ابتداء فَلَيْسَتْ جارّةً، بل حرف ابتداء فقط.
وإن كان مَعْنَاهَا الغاية كقول القائل في ذلك :[الطويل] ٢٤٥٩ - سَرَيْتُ بِهِمْ تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ
وحَتَّى الجِيَادُ مَا يُقَدْنَ بأرْسَانِ
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٠٢
وقل الآخر في ذلك :[الطويل] ٢٤٦٠ - فَمَا زَالَتِ القَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا
بِدِجلَةَ حَتَّى مَاءُ دِجْلَةَ أشْكَلُ
١٠٣
وقال صاحب " التَّحْريرِ " :" حتَّى " هنا ليست للغايةن بل هي ابتداء وخبر وهذا وَهْمٌ إذ الغايةُ معنى لا يفارقها.
وقوله " بَلْ هي ابتداء وخبر " تسامح في العبارة يريدُ بل الجملة بعدها ثُمَّ الجملة التي في هذا المكان ليست ابتداء وخبر، بل هي جملة فعليّة، وهي قالوا و " إذَا " معموله لها.
وممن ذهب إلى أنَّها ليست للغاية الواحديُّ فإنَّه حكى في معنى الآية الكريمة أقوالاً، ثم قال : فعلى هذا القَوْلِ معنى " حتَّى " للانتهاء والغاية وعلى القولين الأوَّلين ليست " حتى " في هذه الآية الكريمة للغاية بل هي التي يقع بعدها الجمل وينصرف الكلام بعدها إلى الابتداء كـ " أما " و " إذا " ولا تعلق لقوله :" حتّى إذا " بما قبله، بل هذا ابتداء خبر أخبر عنهم كقوله في ذلك :[الطويل] ٢٤٦١ - فَيضا عَجَباً حَتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّنِي
كَأنَّ أبَاهَا نَهْشَلٌ أوْ مُجَاشِعُ