وهذا غير مرضي منه لمخالفته الجُمْهُور.
وقوله " لا تعَلُّقَ لها بما قبلها " ممنوع على جميع الأقوال التي ذكرها.
والظَّاهِرُ أنِّما تتعلّق بقوله " ينَالُهُمْ نصيبهم ".
فصل في إمالة " حتى " قال الخليلُ وسيبويه : لا يجوزُ إماة " حتى " و " ألاّ " و " أمَّا " وهذه ألفات ألْزِمَتِ الفتح لأنَّها أواخر حروفٍ جاءت لمعاني يفصل بينها وبين أواخر الأسماء التي فيها الألف نحو : حبلى وهُدَى إلا أن " حتَّى " كتبت بالياء لأنَّها على أربعة أحرف فأشبهت سَكْرَى، قال بعض النحويين : لا يجوز إمالة " حتَّى " لأنَّها حرف لا يتصرف والإمالة ضرب من التصرف.
قوله :" يَتَوَفَّوْنَهُمْ " في محلّ نصب على الحال، وفي المراد بقوله :﴿رُسُلُنَا يَتَوفَّوْنَّهُمْ﴾ قولان : المراد بالرُّسل ملك الموت وبقوله :" يَتَوَفَّوْنَهُم " يقبضون أرواحهم ؛ لأنَّ لفظ الوفاة يفيد هذا المعنى.
ح قال ابنُ عبَّاسٍ : إنَّ الملائكة يطالبون بهذه الأشياء عند الموت على سبيل الزّجر والتّوبيخ.
الثاني : قال الحسن والزَّجَّاجُ في أحد قوليه : إنّ هذا لا يكون في الآخر ومعنى قوله :﴿جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ أي يتوفون مدتهم عند حشرهم إلى النار بمعنى يستكملون عدتهم حتَّى لا ينفلت منهم أحد.
١٠٤
قوله " أَيْنمَا كُنْتُمْ " أي أين الشّركاء الذين كنتم تَعْبدُونَهُمْ من دون اللَّهِ وكتبت " أينَمَا " متصلة وحقُّها الانفصال، لأنَّ " ما " موصولة لا صلة إذ التقدير : أين الذين تدعونهم ولذلك كتبت ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ﴾ [الأنعام : ١٣٤] منفصلاً و ﴿إِنَّمَا اللَّهُ﴾ [النساء : ١٧١] متصلاً.
قوله " ضَلُّوا " جواب من حيث المعنى لا من حيث اللَّفْظ، وذلك أنَّ السُّؤال إنَّما وقع عن مكان الذين كانوا يدعونهم من دون اللَّه، فلو جاء الجوابُ على نسق السُّؤال لقيل : هم في المكان الفلانيّ، وإنَّما المعنى : ما فعل معبودكم ومن كنتم تدعونهم، فأجَابُوا بأنَّهُمْ ضلُّوا عنهم وغابوا.
قوله :" وشَهِدُوا " يحتمل أن يكون نَسَقاً على " قالوا " الذي وقع جواباً لسؤال الرسل، فيكون داخلاً في الجواب أيضاً.
ويحتمل أن يكون مستأنفاً منقطعاً عما قَبْلَهُ ليس داخلاً في حيَّز الجواب كذا قال أبو حيَّان وفيه نظرٌ ؛ من حيث إنَّهُ جعل هذه الجملة جواباً لعطفها على " قَالُوا "، و " قالوا " في الحقيقة ليس هو الجواب، إنَّما الجوابُ هو مقولُ هذا القول، وهو " ضَلُّوا عَنا " فـ " ضلُّوا عنَّا " هو الجواب الحقيقي الذي يُسْتَفَادُ منه الكلام.
ونظيره أن يقولك سألت زَيْداً ما فعل ؟ فقال : أطعمتُ وكسوتُ فنفسُ أطعمتُ، وكسوتُ هو الجواب.
وإذا تقرَّرَ هذا فكان ينبغي أن يقول :" فيكون " معطوفاً على " ضَلُّوا عنَّا "، ثمَّ لو قال كذلك لكان مُشْكلاً من جهة أخرى، وهو أنَّهُ كان يكون التركيب الكلامي :" ضلُّوا عَنَّا وشهدنا على أنفسنا أنَّا كنَّا "، إلا أن يقال : حكى الجواب الثَّاني على المعنى، فهو محتمل على بُعْد بعيدٍ.
ومعنى الآية أنَّهُم اعترفوا عند معاينة الموت أنَّهُم كانوا كافرين.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٠٢
اختلفوا في هذا القائل، فقال مقاتل :" هو كلامُ خازِنِ النَّارِ "، وقال غيره :" هو كلام اللَّهِ "، وهذا الاختلاف مبني على أنَّ الله - تعالى - هل يتكلَّمُ مع الكفار أم لا ؟، وقد تقدمت هذه المسألة.
قوله :" فِي أمَمٍ " يجوزُ أنْ يتعلَّق قوله :" في أمَمٍ " وقوله " في النَّارِ " كلاهما بـ " ادْخُلُوا "، فيجيء الاعتراضُ المشهور وهو كيف يتلّق حرفا جرٍّ متحدا اللفظ والمعنى بعامل واحد ؟، فيجاب بأحد وجهين :
١٠٥
إمَّا أنَّ " في " الأولى ليست للظَّرفية، بل للمعيّة، كأنَّهُ قيل : ادخلوا مع أممٍ أي : مصاحبين لهم في الدُّخول، وقد تأتي " في " بمعنى " مع " كقوله تعالى :﴿وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِى أَصْحَابِ الْجَنَّةِ﴾ [الأحقاف : ٦١].
وقول الشاعر :[الطويل] ٢٤٦٢ - شَمُوسٌ ودُودٌ فِي حَيَاءٍ وعِفَّةٍ
رخِيمَةُ رَجْعِ الصَّوْتِ طَيِّبَةُ النَّشْرِ


الصفحة التالية
Icon