فصل في معنى " لا تفتح " قال ابنُ عبَّاسِ : لا تفتح لأعمالهم لدعائهم مأخوذ من قوله :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر : ١٠].
وقال السُّدِّيُّ وغيره : لا تفتح لأرواحهم أبواب السَّمَاءِ وتفتح لأرواح المؤمنين، ويؤيد هذا ما ورد في الحديث أنَّ روح المؤمن يعرج بها إلى السَّماء فيستفتح لها فيقال : مرحباً بالنَّفْس الطيبة، التي كانت في الجسد الطيب، ويقال لها ذلك إلى أن تنتهي إلى السَّماء السابعة، ويستفتح لروح الكافر، فقال لها : ارْجِعِي ذميمةً فإنه لا تفتح لك أبوابُ السَّماء ولا يدخلون الجنة بل يهوى بها إلى سجين.
وقيل : لا ينزلُ عليهم الخير والبركة لقوله :﴿فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ﴾ [القمر : ١١].
قوله :﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ﴾.
الولوج : الدُّخُول بشدّة، ولذلك يقالك هو الدُّخول في مضيق، فهو أخصُّ من الدُّخول، والوليجة : كلُّ ما يعتمده الإنسان، والوليجة الدَّاخِلُ في قوم ليس منهم.
و " الجَمَلُ " قراءة العامة، وهو الحيوانُ المعروف، ولا يقال للبعير جملاً إلا إذا بَزَل، ولا يقال له ذلك إلا إذا بَلَغَ أربع سنين وأول ما يخرج ولد النَّاقة، ولم تعرف ذُكُوريَّتُهُ وأنوثته يقالُ لَهُ :" سَلِيلٌ "، فإن كان ذكراً فهو " سَقْبٌ "، وإن كان أنثى " حَائِلٌ "، ثم هو " حُوار " إلى الفطام، وبعده " فَصِيل " إلى سنة، وفي الثانية :" ابْن مَخَاض " و " بِنْت مَخَاض "، وفي الثالثة :" ابْن لَبون " و " بنت لبون "، وفي الرابعة :" حِقٌّ " و " حِقَّة "، وفي الخامسة : جَذَع وجَذَعة، وفي السَّادسة :" ثَنِيُّ " و " ثَنِيَّة "، وفي السَّابعة : رَباع ورَباعية مخففة، وفي الثامنة :" سِديسٌ " لهما.
وقيل :" سَديسةٌ " للأنثى، وفي التَّاسعة :" بَازِلٌ "، و " بَازِلَةٌ "، وفي العاشرة :" مُخْلِفٌ " و " مُخْلِفةٌ "، وليس بعد البُزُول والإخلاف سنٌّ بل يقال : بازل عام، أو عامين، ومُخْلِف عام، أو عامين حتى يهرم، فيقال له : فَوْد.
ورد التَّشبيه في الآية الكريمة في غاية الحسن، وذلك أنَّ الجمل أعظم حيوانٍ عند العربِ، وأكبره جثَّة حتى قال :[البسيط] ٢٤٦٣ -.........................
جِسْمُ الجِمَالِ وأحْلاَمُ العَصَافِيرِ
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١١١
١١٢
[وقوله] :[الوافر] ٢٤٦٤ - لَقَدْ كَبُرَ البَعِيرُ بِغَيْرِ لُبٍّ
................................
وسم الإبرة في غايةِ الضِّيقِ، فلما كان المثلُ يُضْرَبُ بعظم هذا وكبره، وبضيق ذلك حتَّى قيل : أضْيقُ من خُرْت إبرة، ومنه الخِرِّيْتُ وهو البصير بمضايق الطُّرُقِ قيل : لا يدخلون [الجنة حتى يتقحّم أعظم الأشياء وأكبرها عند العرب في أضيق الأِياء وأصغرها فكأنه لا يدخلون] حتى يُوجدَ هذا المستَحِيلُ، ومثله في المعنى قول الشاعر :[الوافر] ٢٤٦٥ - إذا شَابَ الغُرَابُ أتَيْتُ أهْلِي
وَصَارَ القَارُ كاللَّبَنِ الحَلِيبِ
وقر ابن عبَّاسِ في رواية ابْنِ حَوْشَبٍ، ومجاهد، وابن يعمر، وأبو مجلزٍ والشعبيُّ، ومالك بن الشِّخِّير، وابن محيصنٍ، وأبُو رجاءَ، وأبو رزين، وأبان عن عاصمٍ :" الجُمَّل " بضمِّ الجيمِ وفتح الميم مشددة وهو القَلْسُ، والقَلْس : حبلٌ غليظ، يجمع من حبال كثيرة فيفتل، وهو حَبْلُ السَّفِينة.
وقيل : الحَبْلُ الذي يُصعد به [إلى] النّخل.
ويروى عن ابن عباس أنه قال :" إن الله أحسن تشبيهاً أن يشبه بالحبل من أن يشبه بالجَمَلِ " كأنَّهُ رأى - إن صحَّ عنه - أن المناسب لسم الإبرة شيءٌ يناسب الخيط المسلوك فيها.
وقال الكِسَائي : الرَّاوي ذلك عن ابن عباس أعجمي فَشَدَّ الميم ".
وضفَّف ابن عطية قول الكسائي بكثرة رواتها عن ابن عباس قراءة.
قال شهابُ الدِّين :" ولذلك هي قراءةٌ مشهورة بين النَّاس ".
وروى مجاهدٌ عن ابن عباس ضمّ الجيم وفتح الميمِ خفيفة، وهي قراءة ابن جبير، وقتادة، وسالم الأفطس.
١١٣
وقرأ ابْنُ عبَّاسِ أيضاً في رواية عطاء :" الجُمُل " بضم الجيم والميم مخففة، وبها قرأ الضحاكُ الجحدري.
وقرأ عِكْرِمة، وابن جبير بضمِّ الجيم، وسكون الميم.
[وقرأ المتوكل، وأبُو الجوزاء بالفتح والسُّكون، وكلُّها لغات في القَلْس المذكور.
وسئل ابن مسعود عن الجمل في الآية فقال :" زَوْج النَّاقَةِ "، كأنه فهم ما أراد السّائل واستغباه].
قوله :﴿فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ متعلق بـ " يلج "، و " سمّ الخِيَاطِ " ثقب الإبرة، وهو الخُرْتُ، وسينه مثلثة، وكلّ ثُقب ضيق فهو سَمٌّ، وكلُّ ثقب في البدن ؛ وقيل : كلُّ ثُقْبٍ في أنف أو أذن فهو سَمٌّ وجمعه سموم.
قال الفَرَزْدَقُ :[الطويل] ٢٤٦٦ - فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ حَتَّى تَنَفَّسَا
وقُلْتُ لَهُ لا تَخْشَ شَيْئاً وَرَائِيَا
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١١١


الصفحة التالية
Icon