والسُّمُّ : القاتل، وسمي بذلك للطفه وتأثيره في مسامّ البدنِ حتى يصل إلى القلب، وهو في الأصل مصدرٌ ثم أُريد به معنى الفاعل لدخوله باطن البدن، وقد سمَّه إذا أدخله فيه، ومنه " السَّمَّة " للخاصة الذين يدخلون بَوَاطِنَ الأمور ومَسَامَّها، ولذلك يقال لهم : الدّخلُل.
والسموم الريح الحادة ؛ لأنَّها تؤثر تأثير السّم القاتل.
والخياط والمخيط الآلة التي خاطُ بها فِعال ومِفْعَل، كإزار ومئزر، ولحافٍ ومِلْحَفٍ، وقناعٍ ومِقْنَعٍ.
وقرأ عبد الله، وقتادة، وأبُو رزين، وطلحةُ " سُمِّ " بضمِّ السِّين، وأبو عمران الجوني، وأبُو نهيكٍ، والأصمعيُّ عن نافع " سِمّ " بالكسر، وقد تقدَّم أنَّها لغات.
وقرأ عَبْدُ الله، وأبُو رزين، وأبو مجلزٍ :" المِخْيَط " بكسر الميم وسكون الخاء، وفتح الياء.
وطلحةُ بفتح الميم، وهذه مخالفة للسَّوادِ.
قوله :" وَكَذِلِكَ " أي : ومثل ذلك الجزاء نجزي المجرمين، فالكاف نعت لمصدر محذوف.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١١١
قوله :﴿لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ هذه الجملة محتملة للحاليّة والاستئناف، ويجوزُ حينئذ
١١٤
في " مهاد " أن تكون فاعلاً بـ " لهم " فتكون الحال من قبيل المفرات، وأن تكون متبدأ، فتكون من قبيل الجمل.
و " مِنْ جَهَنَّمَ " حال من " مِهَاد " ؛ لأنَّهُ لو تأخر عنه لكان صفة، أو متعلق بما تعلَّق به الجار قبله.
و " جَهَنَّم " لا تنصرف لاجتماع التَّأنيث والتعريف.
وقيل : اشتقاقه من الجهومة، وهي الغلظ يقال : رجل جهم الوجْهِ أي غَلِيظه، فسميت بهذا الغلظ أمرها في العذاب.
و " المِهَاد " جمع : مَهْدٍ، وهو الفراشُ.
قال الأزهريُّ :" المَهْدُ في اللُّغة الفرش، يقال للفراش : مِهَادٌ ".
قوله :﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ غواشٍ : جمع غاشية، وللنُّحاة في الجمع الذي على فواعل إذا كان منقوصاً بقياس خلاف : هل هو مُنْصَرِفٌ ؟.
فبعضهم قال : هو مَنْصرفٌ ؛ لأنه قد زال [منه] صيغة منتهى الجموع، فصار وزنُهُ وَزْنَ جَنَاحٍ وَقَذالٍ فانصرف.
وقال الجَمْهُورُ : هو ممنوعٌ من الصَّرف، والتنوين تنوين عوضٍ.
واختلف في المعوِّض عَنْهُ ماذا ؟ فالجمهور على أنَّهُ عوض من الياء المَحْذُوفَةِ.
وذهب المُبردِ إلى أنَّهُ عوض من حركتها، والكسرُ ليس كسر إعراب، وهكذا : حَوَارٍ وموالٍ وبعضهم يجرُّه بالفتحة، قال :[الطويل] ٢٤٦٧ - وَلَوْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ مَوْلىً هَجَوْتُهُ
ولَكِنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى مَوَالِيَا
١١٥
وقال آخر :[الرجز] ٢٤٦٨ - قَدْ عَجِبَتْ مِنِّي وَمِنْ يُعَيْلِيَا
لمَّا رَأتْنِي خَلَقاً مُقْلُوْلِيَا
وهذا الحكمُ ليس مختصاً بصيغة مفاعل، بل كلُّ غير منصرف إذا كان منقوصاً، فحكمهُ ما تقدَّم نحو : يُعيْل تصغير يَعْلَى ويَرْم اسم رجل، وعيله قوله :" وَمِنْ يَعَيْلِيَا " وبعض العرب يعرب " غواش " ونحوه بالحركاتِ على الحرف الذي قبل الياء المحذوفة، فيقول : هؤلاء جوارٍ.
وقرئ :" ومِنْ فَوْقِهِم غَوَاشٌ} برفع الشين، وهي كقراءة عبد الله :﴿وَلَهُ الْجَوَارِ﴾ [الرحمن : ٢٤] برفع الراء.
فإن قيل :" غَوَاش " على وزن فواعل ؛ فيكون غير منصرف فكيف دخله التنوين ؟.
فالجوابُ : على مذهب الخَلِيلِ وسيبويهِ أنَّ هذا جمع، والجمع أثقل من الواحد، وهو أيضاً الجمع الأكبر الذي تتناهى الجموع إيله، فزاده ذلك ثقلاً، ثم وقعت الياء في آخره وهي ثقيلة، فلمَّا اجتمعت فيه هذه الأشياء خفَّفوه بحذف الياء، فلَّما حذفوا الياء نقص عن مثال " فوَاعل " فصار غواش بوزن جناح، فدخلهُ التَّنوين لنقصانه عن هذا المثال.
قال المفسِّرون : معنى الآية : الإخبارُ عن إحاطة النَّار بهم من كل جانب قوله :" وكذلِكَ " تقدم مثله [الأعراف : ٤٠].
وقوله :" والظَّالمِيْنَ " يحتمل أن يكون من باب وقوع الظَّاهر موقع المضمر، والمراد بـ " الظَّالمِينَ " المجرمون، ويحتمل أن يكونوا غيرهم، وأنَّهُم يُجزون كجزائهم.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١١٤
لمَّا ذكر الوعيد أتْبَعَهُ بذكر الوعد، فقوله :" والَّذينَ آمَنُوا " مبتدأ، وفي خبره وجهان : أحدهما : أنه الجملة من قوله :﴿لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً﴾، وعلى هذا فلا بدّ من عائد وهو مقدَّرٌ، وتقديرُهُ، نفساً منهم.
والثاني : هو الجملة من قوله :" أولَئِكَ أصْحَابُ "، وتكون هذه الجملة المنفيَّة
١١٦