جزء : ٩ رقم الصفحة : ١١٧
لمَّا شَرَحَ وعيد الكفار وثواب أهل الإيمان أتبعه بذكر المُنَاظَراتِ التي تَدُورُ بين الفريقين في هذه الآية.
قوله :﴿أَن قَدْ وَجَدْنَا﴾ " أن " يحتمل أن تكون تفسيرية للنِّدَاءِ، وأن تكون مخففة من الثَّقِيلَةِ، واسمها ضمير الأمر والشَّأنِ، والجملة بعدها خبرها، وإذَا كان الفعل مُتَصَرّفاً غير دعاء، فالأجود الفصل بـ " قَدْ " كهذه الآية أو بغيرها.
وقد تقدَّم تحقيقه في المائدة.
قال الزَّمخشريُّ : فإن قلت : هلا قيل : ما وعدكم ربكم، كما قيل :﴿مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا﴾.
قلت : حُذف ذلك تخفيفاً لدلالة " وَعَدَنَا " عليه.
ولقائل أن يقول : أطْلِقَ ليتناول كلَّ ما وعد الله من البعث والحساب والعقاب والثواب، وسائر أحوال القيامة، لأنَّهُم كانوا مكذِّبين بذلك أجمع، ولأنَّ الموعود كله ممَّا ساءهم، وما نعيم أهل الجنَّة إلاَّ عذاب لهم فأطلق لذلك.
قال شِهَابُ الدِّين : قوله :" ولقائل...
إلى آخره.
هذا الجواب لا يطابق سؤاله ؛ لأنَّ المدعي حذف المفعول الأوَّل، وهو ضمير المخاطبين.
والجوابُ وقع بالمفعول الثَّاني الذي هو الحِسَابُ والعقاب، وسائر الأحوال، [فهذا] إنَّما يناسب لو سئل عن حذف المفعول الثاني، لا المفعول الأول ".
١٢١
وأجاب ابْنُ الخطيبِ عن السُّؤالِ بأن قوله :﴿مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا﴾ يدلُّ على أنَّهُ تعالى خاطبهم بهذا الوَعْدِ وكونهم مخاطبين من قبل الله - تعالى - بهذا الوعد يوجب مزيد التّشريف ومزيد التشريف لائق بحال المؤمنين.
أمّا الكَافِرُ فليس أهلاً لأن يخاطبه الله - تعالى - فلهذا السّبب لم يذكر الله تعالى أنَّهُ خاطبهم بهذا الخطاب بل ذكر الله - تعالى - أنَّهُ بيَّن هذا الحكم.
و " نعم " حرف جواب كـ " أجل " و " إي " و " جير " و " بلى "، ونقيضتها " لا ".
و " نَعَمْ " تكون لتصديق الإخبار، أو إعلام استخبار، أو وَعْدِ طالب، وقد يُجَابُ بها النَّفي المقرون باستفهام وهو قليل جدّاً كقول جحْدَرٍ :[الوافر] ٢٤٦٩ - أَليْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أمَّ عَمْروا
وإيَّانَا فَذَاكَ بِنَا تَدَانِي
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٢١
نَعَمْ، وتَرَى الهِلالَ كَمَا أرَاهُ
ويَعْلُوهَا النَّهَارُ كَمَا عَلاَنِي
فأجاب قوله :" ألَيْسَ " بـ " نعم "، وكان من حقه أن يقول : بلى، ولذلك يُرْوَى عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ﴾ [الأعراف : ١٧٢] : لو قالوا : نعم لكفروا، وفيه بحثٌ يأتي إنْ شَاءَ اللَّهُ - تعالى - قريباً.
وقرأ الكسائِيُّ والأعمشُ ويحيى بن وثَّابٍ بكسر عينها، وهي لغة " كنَانَة "، وطعن أبُو حَاتِمِ عليها وقال :" ليس الكسر بمعروف ".
واحتج الكِسَائِيُّ لقراءته بما يُحكى عن عمر بن الخطاب أنَّه سأل قوماً فقالوا : نعم بالفتح، فقال :" أمَّا النَّعَم فالإبل فقولوا : نَعِم " أي بالكَسْرِ.
قال أبو عبيد :" ولم نَرَ العرب يعرفون ما رَوَوْه عن عمر ونراه مُوَلَّداً ".
قال شهاب الدين : وهذا طَعْنٌ في المُتَواتِر فلا يُقبل، وتبدل عينها حاءً، وهي لغة فاشية، كما تبدل حاء " حتى " عيناً.
قوله :﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾.
التأذين في اللُّغَةِ النداء والتّصويت الإعلام، والأذان للصّلاة إعلام بها وبوقتها.
وقالوا في " أذَن مؤذّن " : نادى مناد أسمع الفريقين.
قال ابن عباس :" وذلك المؤذن من الملائكة وهو صاحبُ الصُّورِ ".
قوله :" بينهم " يجوز أن يكون منصوباً بـ " أذَّن " أو بـ " مؤذن " فعلى الأول التقدير :
١٢٢


الصفحة التالية
Icon