وأنشدوا :[المنسرح] ٢٤٩٦ - لا تُنْجِزُ الوَعْدَ إنْ وَعَدْتَ وَإنْ
أعْطَيْتَ أعْطَيْتَ تَافِهاً نَكِدا
وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بْن عُمَرَ :" يُخْرَج " مبنيّاً للمفعول، " نَبَاتُه " مرفوعاً لقيامة مقام الفاعل، وهو الله تعالى.
وقوله :" والَّذِي خَبُثَ " صفة لموصوف محذوف، أي : والبلد التي خَبُثَ، وإنَّما حذف لدلالةِ ما قبله عليه، كما أنَّهُ قد حذف منه الجار في قوله :" بإِذْنِ ربِّهِ "، إذ التقديرُ : والبلد الذي خَبث لا يخرج بإذن ربه إلا نَكِداً.
ولا بدَّ من مضاف محذوف : إمّا من الأوَّلِ تقديرُهُ : ونبات الذي خبُث لا يخرج، وإمَّا من الثَّاني تقديره : والذي خَبُثَ لا يخرجُ نباته إلا نكداً، وغاير بين الموصُوليْنِ، فجاء بالأول بالألِفِ واللاَّمِ، وفي الثَّاني جاء بالذي، ووُصِلَتْ بفعل ماض.
قوله :" كَذَلِكَ " تقدم نظيره.
﴿نُصَرِّفُ الآيَاتِ﴾.
قرئ :" يُصرِّفُ " أي يصرفها الله، وختم هذه الآية بقوله :﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ ؛ لأنَّ الذي سبق ذكره هو أنَّهُ تعالى يحرك الرِّياح اللطيفة النافعة، ويجعلها سبباً لنزول المطر، الذي هو الرَّحمة، ويجعل تلك الرياح والأمطار سبباً لحدوث أنواع النَّبات النافعةِ، فمن هذا الوجهِ ذكر الدَّليل الدَّال على وجود الصَّانع، وعلمه، وقدرته، وحكمته، ونبَّه من وجه آخر على إيصال هذه النعم العظيمةِ إلى العبادِ، فمن الوَجْهِ الأوَّلِ وصفها بأنَّهَا آيات، ومن الوجْهِ الثَّانِي أنَّها نعم يجبُ شكرها وخصَّها بكونها آيات للشَّاكرين ؛ لأنَّهُم المنتفعون بها، كقوله :﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة : ٢].
١٧٣
روى أبُو بُرْدَةَ عن أبي موسى عن النَّبيِّ ﷺ قال : مثل ما بَعَثَنِي اللَّهُ به مِنَ الهُدَى والعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْثِ الكَثيرِ أصَابَ أرضاً، فَكَانَ مِنْهَا بُقْعَة قَبِلتِ الماءَ، فأنْبَتَت الكَلأ والعُشُبَ الكثيرَ، وكانَ مِنْهَا أجَادبُ أمسكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ به النَّاس فَشَرِبُوا وسَقَوْا من فقههُ في دين اللَّهِ، ونَفَعَهُ بما بعثني اللَّهُ به فعلم وعلَّمَ، ومثل من لم يَرْفَعْ بذلك رَأساً ولمْ يَقْبْلْ هدى الله الذي أرْسِلْتُ بِهِ.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٧٢
لمَّا قرر المعاد بالدَّليل الظَّاهِرِ أتبعه بذكْرِ قَصَصِ الأنْبِياء لفوائد : أحدها : التَّنبيه على أنَّ إعراض النَّاسِ عن قبول الدلائل والبينات ليس مَخْصوصاً بِقَوْم مُحَمَّد - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - بل هذه العادَةُ المذمُومَة كانت حاصلة في جميع الأمَم السَّابقة، والمصيبة إذا عمَّت خَفَّت، ففي ذِكْرِ قَصَصِهم تسلِيَة للرَّسُولِ - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - وتخفيف عن قَلْبِهِ.
وثانيها : أنَّهُ تعالى يحكي في هذه القَصَصِ أنَّ عَاقِبَة أمر أولئك المنكرين كان إلى اللّعْنِ في الدُّنْيَا، والخسارة في الآخِرَةِ، وعاقبة أمر المحقّين [إلى الدَّوْلَةِ في الدُّنْيَا، والسَّعادة في الآخرة، وذلك يقوي قلوب المُحِقِّين]، ويكسر قلوب المبطلين.
وثالثها : التنبيه على أنَّهُ تعالى، وإن كان يمهل المبطلين لكنَّهُ لا يُهْمِلُهُمْ بل يعاقِبُهُم، وينتقمُ منهم.
ورابعها : بيان ما في هذه القصص من الدّلالةِ على نُبُوَّةِ محمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - لأنَّهُ كان أميّاً، لم يطالع كتاباً، ولا تَلْمَذَ لأستاذن فإذا ذكر هذه القصص من غير تحريف ولا خطأ دَلَّ ذلك على أنَّهُ عرفها بوحي من الله تعالى.
قوله :" لقد أرْسَلْنَا " جواب قسم محذوف تقديره :" والَّه لقد أرْسَلْنَا ".
قال الزَّمَخْشَرِيُّ : فإن قلت : ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللاَّم إلاَّ مع " قَدْ "، وقلَّ عنهم قوله :[الطويل]
١٧٤
٢٤٩٧ - حَلَفْتُ لَهَا بِاللَّهِ حَلْفَةَ فَاجِرٍ
لَنَامُوا...........................


الصفحة التالية
Icon