يُنشد بكسر الهمزة، وهو المشهورُ، وبفتحها ؛ ومثلها " الآنَاء " جمع " إِنْي " أو " أُنْي " أو " إِنّى " أو " أَنّى ".
وقال الأخفش :" إنْوٌ ".
والآناء الأوقات كقوله :﴿وَمِنْ آنَآءِ الْلَّيْل﴾ [طه : ١٣٠]، وسيأتي.
ثم قال :" لعلَّكُم تُفْلِحُونَ " فلا بُدَّ هاهنا من إضمار ؛ لأنَّ الصَّلأاح الذي هو الظَّفر بالثَّواب لا يحصل بمجرد التذكر، بل لا بدّ من العمل، والتقدير : فاذكروا آلاء اللَّهِ واعملوا عملاً يليق بذلك الإنعام لعلّكم تفلحون.
قوله :" لِنَعْبُدَ " متعلق بالمجيء الذي أنكروه عليه.
واعلم أنَّ هوداً - عليه السلام - لما دعاهم إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالدَّلِيل القاطع، وهو أنَّهُ بيَّن أنَّ نعم الله عليهم كثيرة والأصنام لا نعمة لها ؛ لأنَّهَا جمادات، والجمادُ لا قُدْرَةَ له على شَيْءٍ أصلاً - لم يكن للقوم جوابٌ عن هذه الحُجَّةِ إلا التمسك بالتَّقْليد فقالُوا :﴿أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ فأنكروا عليه أمره لهم بالتَّوحيد، وترك التقليد للآباء، وطلبوا منه وقوع العذاب المشار إليه بقوله :" أفَلاَ تَتَّقُونَ " وذلك أنَّهُم نسبوه إلى الكذب، وظنُّوا أنَّ الوعيد لا يتأخر، ثم قالوا :﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ جوابه محذوف أو متقدِّم بـ " ما "، وذلك لأنَّ قوله :﴿اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ مشعر بالتَّهْديد والتّضخويف بالوعيد، فلهذا قالوا :﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ﴾.
قوله :﴿إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ جوابه محذوف أو مُتَقَدِّم، وهو فأت به.
واعلم أنَّ القوم كانُوا يتقدون كذبه لقولهم :﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ فلهذا قالوا :﴿فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [الشعراء : ٣١] وإنَّما قالُوا كذلِكَ لظنهم أن الوعيد لا يجوز أن يتأخر، فعند ذلك قال هود - عليه السلام - :﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ﴾، أي : وجب عليكم.
فصل في تفسير هذه الآية قال القَاضِي : تفسير هذه الآية على قولنا ظاهر ؛ لأنَّ بعد كفرهم وتكذيبهم
١٨٩
حدثت هذه الإرادة، واعلمْ أنَّ هذا بَاطِلٌ ؛ لأنَّ في الآية وجوهاً من التَّأويل.
أحدها : أنَّهُ تعالى أخبر في ذلك الوقت بنزول العذابِ عليهم، فلمَّا حدث الإعلام في ذلك الوقت، لا جرم قال هُودٌ في ذلك الوقت :﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ﴾.
وثانيها : أنَّهُ جعل المُتَوقَّع الذي لا بُدَّ من نزوله بمنزلة الواقع، كقوله :﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل : ١].
وثالثها : أن يحمل قوله :" وقع " على معنى وجد وجعل، والمعنى : إرادة إيقاع العذاب عليكم حصلت من الأزل.
قوله :" مِن رَّبِّكُمْ " إمَّا متعلق بـ " وقع " و " من " للابتداء مجازاً، وإمَّا أن يتعلق بمحذوف لأنَّهَا حال، إذْ كانت في الأصل صفة لـ " رجس ".
والرِّجْس : العذاب والسين مبدلة من الزاي.
وقال ابن الخطيب : لا يمكن أن يكون المراد لأنَّ المُرادَ من الغضب العذابُ، فلو حملنا الرِّجْسَ عليه لَزِمَ التَّكْرِيرُ، وأيضاً الرجس ضد التطهير قال تعالى :﴿لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب : ٣٣] والمرادُ التَّظْهِيرُ عن العقائد الباطلةِ.
وإذا ثبت هذا فالمراد بالرجس أنَّهُ تعالى خصّهم بالعقائِدِ المذمُومَةِ، فيكون المعنى أنَّهُ تعالى زادهم كُفْراً ثم خصَّهم بمزيدِ الغضبِ.
قوله :" أتُجَادِلُونَنِي " استفهام على سبيل الإنْكَارِ في أسماء الأصنام وذلك أنهم كانوا يسمون الأصْنَامَ بالآلهة، مع أن معنى الإلهية فيها معدومٌ، سموا واحداً منها بالعُزَّي مشتقاً من العزِّ، والله - تعالى - ما أعطاه عِزّاً أصلاً، وسمُّو آخر منها باللاَّتِ، وليس له من الإلهية شيء.
قوله :" سَمَّيْتُمُوهَا " صفة لـ " أسْمَاء "، وكذلك الجملة من قوله :﴿مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾ يُدلُّ على خلوِّ مذاهبهم عن الحُجَّةِ.
و " مِنْ سُلْطَانِ " مفعول " نزَّلَ "، و " مِنْ " مزيدةٌ، ثمَّ إنَّهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ذكر لهم وعيداً مجرَّداً فقال : فانتظروا ما يحصل لكم من عبادة الأصْنَامِ إنِّي معكم من المنتظرين.
فقوله :" مِنَ المُنْتَظِريْنَ " خبر " إني "، و " مَعَكُمْ " فيه ما تقدَّم في قوله : إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}، ويجوزُ - وهو ضعيف - أن يكون " مَعَكُمْ " هو الخبر و " مِنَ المُنْتَظِرِينَ " حال، والتقديرُ : إني مصاحبكم حال كوني من المنتظرين النّصر والفرج من الله، وليس بذلك ؛ لأنَّ المقصُودَ بالكلامِ هو الانتظار، لمقابلة قوله :" فانْتَظِرُوا " فلا يُجعل فضلة.
١٩٠
جزء : ٩ رقم الصفحة : ١٨٤