قوله :﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ العامَة على نصب " جَوَابَ " خبراً للكون، والاسمُ " أن " وما في حيِّزِهَا وهو الأفصح ؛ إذ فيه جعل الأعرف اسماً.
وقرأ الحسن " جوابُ " بالرَّفع، وهو اسمها، والخبر " إلاَّ أن قالُوا " وقد تقدَّم ذلك.
وأتى هنا بقوله " ومَا "، وفي النّمل [٥٦] والعنكبوت [٢٤] " فَمَا "، والفاء هي الأصل في هذا الباب ؛ لأنَّ المراد أنَّهُم لم يتأخر جوابهم عن نصيحته، وأما الواو فالعتقيب أحدُ محاملها، فتعيَّن هنا أنَّها للتعقيب لأمرٍ خارجي وهي العربية في السّورتين المذكورتين لأنَّها اقتضت ذلك بوضعها.
قوله :﴿أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ أي : أخرجوا لوطاً وأتباعه.
﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ أي : يتنزهون عن أدبار الرِّجالِ.
وقيل :" يَتَطَهَّرونَ " أي : يتنزهون عن أدبار الرِّجالِ.
وقيل :" يَتَطَهَّرونَ " يتباعَدُنَ عن المعاصي والآثام.
وقيل :" يَتَطَهَّرُونَ " أي على سبيل السخرية بهم، كما يقول بعض الفسقة لمن وعظة من الصلحاء : أبْعِدُوا عنَّا هذا المتقشّفَ، وأريحونا من هذا المتزهِّدِ.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٥
المراد بـ " أهله " : أنصاره وأتباعه.
٢٠٧
وقال ابن عباس :" المراد : النتاه " وقوله :" إلا امْرَأتَهُ " أي : زوجتهُ، يقال : امرأةُ الرَّجل أي زوجته ويقال : رجل المرأة بمعنى زوجها ؛ لأنَّ الزوج بمنزلة المالك لها، وليست المرأة بمنزلة المالك للرّجل.
وقوله :" مِنَ الغَابِرِينَ " يعني الباقين في العذاب.
وقيل : من الباقين المعمّرين قد أتى عليها دَهْرٌ طويل فهلكت، فهي مع من هلك.
يقال : غبر الشيء يغبرغبوراً إذا مكث وبقي.
وقوله :﴿كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ جواب سؤال مقدَّر، وهذا كما تقد في البقرة، وفي أوَّل هذه السُّورة في قصة " إبليس ".
والغابر : المقيم وهذا [هو] مشهور اللُّغة، وأنشدوا قول بي ذُؤَيْبٍ الهذلي :[الكامل] ٢٥١٣ - فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ نَاصِبٍ
وإخَالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَعُ
ومنه غُبَّرُ اللبن لبقيته في الضَّرْع، وغُبَّرُ الحَيْض أيضاً، قال أبو كبير الهُذَلِيُّ، ويروى لتأبَّط شَرّاً :[الكامل] ٢٥١٤ - ومُبَرَّأ مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ
وَفَسَادِ مُرْضِعَةٍ وَدَاءٍ مُعْضِلِ
ومعنى " مِنَ الغَابِرِينَ " في الآية أي : من المقيمن في الهلاكِ.
وقال بعضهم :" غبر بمعنى مضى وذهب " ومعنى الآية يساعده ؛ وأنشد للأعشى :[السريع] ٢٥١٥ - عَضَّ بِمَا أبْقَى المَوَاسِي لَهُ
مِنْ أمِّهِ فِي الزَّمَنِ الغَابِرِ
أي : الزمان الماضي.
وقال بعضهم : غَبَرَ : أي غاب، ومنه قولهم :" غَبَر عَنَّا زماناً ".
وقال أبُو عبيدة :" غبر : عُمِّر دَهْراً طويلاً حتّى هَرِمَ "، ويدلُّ له :﴿إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ﴾ [الصافات : ١٣٥].
وقد تقدَّم.
والحاصل أنَّ الغبور مشتركٌ كـ " عَسْعَسَ "، أو حقيقة ومجازٌ وهو المرجح.
والغبارُ : ما يبقى من التُّراب المُثَارِ ومنه :﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ﴾ [عبس : ٤٠].
٢٠٧
تخييلاً لتغيرها واسودادها والغَبْراء : الأرْضُ ؛ قال طرفةُ :[الطويل] ٢٥١٦ - رَأيْتُ بَنِي غَبْرَاءَ لا يُنْكِرُونَنِي
وَلاَ أهْلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ المُمَدَّدِ
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٧
قوله :" وأمْطَرْنَا " قال أبو عُبَيْدٍ :" يقال : مُطِر في الرحمة، وأمْطِر في العذاب ".
وقال [أبو القاسم] الرَّاغِبُ : ويقال : مطر في الخير، وأمطر في العذاب، قال تعالى :﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً﴾ [الحجر : ٧٤].
وهذا مردود بقوله تعالى :﴿هَـذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف : ٢٤] فإنهم إنَّما عنوا بذلك الرحمة، وهو من أمْطَرَ : وأمْطرتهم، وقوله تعالى هنا :" وأمْطَرْنا " ضُمِّن معنى " أرْسَلْنَا " ولذلك عُدِّي بـ " عَلَى "، وعلى هذا فـ " مَطَراً " مفعولٌ به لأنَّهُ يُراد به الحجارة، ولا يُرَادُ به المصدر أصلاً، إذ لو كان كذلك لقيل : أمطار.
ويوم مَطِيرٌ : أي : مَمْطُورٌ.
ويوم ماطر ومُمْطِرٌ على المجاز كقوله :﴿فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم : ١٨]، ووادٍ مطير فقط فلم يُتَجَوَّزْ فيه ومطير بمعنى مُمْطِر ؛ قال :[الطويل] ٢٥١٧ - حَمَامَةَ بَطْنِ الوَاديَيْنِ تَرَنَّمِي
سَقَاكِ من الغُرِّ الغَوَادِي مَطِيرُهَا


الصفحة التالية
Icon