فعيل هنا بمعنى فاعل ؛ لأنَّ السَّحاب يمطرُ غيرها، ونكَّر " مطراً " تعظيماً، والمرادُ بالمطر هنا يعني حجارة من سجيل.
قال وهب :" هي الكبريت والنَّار فانظر كَيْفَ كان عاقِبةُ المجرمين ".
فصل في إيجاب اللواط الحد اللِّوَاط يوجب الحد، وهذه الآية تدلُّ عليه من وجوه : الأول : أنَّهُ ثبت في شريعةِ لُوطٍ رجم اللوطيّ، والأصل بقاء ما ثبت إلى أنْ يرد الناسخ، ولم يرد في شرع مُحَمَّدٍ - عليه الصلاة والسلام - ما ينسخه، فوجب الحكم ببقائه.
الثاني : قوله تعالى :﴿أُوْلَـائِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام : ٩٠].
الثالث : قوله تعالى :﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾.
والمرادُ من هذه العاقبة ما سبق ذكر من إنْزالِ الحجر عليهم من المجرمين الذين
٢٠٨
يعملون عمل قوم لوط ؛ لأنَّ ذلك هو المدلول السابق، فينصرف إليه ذكر الحكم عقيب الوَصْفِ مشعراً بالعليَّة.
وقال أبو حنيفة :" اللَّوَاطُ لا يوجب الحدَّ ".
واختلفوا في حدّ اللاَّئط : فقال بعضهم :" يُرجم مُحْصَناً كان، أو غير محصن، وكذلك المفعول به إن كان محتلماً ".
وقال بعضهم :" إنْ كان محصناً رجم، وإن كان غير محصن أدّب وحبس ".
وقال أبو حنيفة : يُعزَّر، [وحجة الجمهور أن الله تعالى] عذب قوم لوط بالرجم وقال عليه الصَّلاة والسَّلامُ :" مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَل عَمَلَ قَوْمِ لوطٍ فاقْتُلُوا الفاعلَ والمَفْعُولَ بِهِ " وروي عن أبي بكر الصديق أنَّهُ حَرَّقَ رجُلاً يُسَمّى الفُجَاءَة حين عمل عمل قوم لوط بالنَّار، وأحرقهم ابن الزُّبير في زمانه، ثم أحرقهم هِشامُ بنُ الوليدِ، ثم أحرقهم خالد القَسْريُّ بـ " العراق ".
وروي أن سبعة أخذوا في زمان ابن الزُّبير في لواط، فسألَ عنهم، فوجد أرْبَعةً منهم أحصنوا، فخرج بهم من الحرم، فرُجموا بالحجارة حتى ماتوا، وحد الثلاثة، وعنده ابن عباس وابن عمر فلم ينكرا، وهذا مذهب الشافعي.
قال ابن العربيِّ : الأوَّلُ أصحُّ سنداً وهو مذهب مالك.
فإن أتى البهيمة قيل : يقتل هو والبهيمة.
وقيل : يقتل دون البهيمة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٢٠٨
قوله تعالى :﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾ القصة.
اختلف في " مَدْيَنَ " : فقيل : أعجميٌّ، فمنعه للعُجْمَةِ والعلمية، وهو مدين بن إبراهيم - عليه السلام - فسُمِّيت به القبيلة.
٢٠٩
وقيل : هو عربيٌّ اسم بلد، قاله الفرَّاءُ، وأنشد :[الكامل] ٢٥١٨ - رُهْبَانُ مَدْيَنَ والَّذينَ عَهِدْتُهُمْ
يَبْكُونَ مِنْ حَذَرِ العَذَابِ قُعُودَا
لَوْ يَسْمَعُونَ كَمَا سَمِعْتُ كَلامَهَا خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُودَا فمنعهُ للعَلِميَّة والتَّأنيث.
ولا بدّ حينئذ من حذف مضاف، أي : وإلى أهل مدين، ولذلك أعاد الضَّمير في قوله :" أخَاهُم " على الأهل، ويجوز أن يراد بالمكان سَاكِنُوه، فروعي ذلك بالنِّسْبَةِ إلى عود الضمير عليه وعلى تقدير كونه عربياً قالوا : فهو شاذ، إذ كان من حقِّه الإعلال كمتاع ومقام، ولكنهم شذُّوا فيه كما شذوا في مَرْيم ومَكْوذَة، وليس بشاذٍ عند المبرِّد، لعدم جَرَيَانِهِ على الفعل، وهو حقٌّ وإن كان الجمهور على خلافه.
قوله :" شُعَيْباً " يجوز أن يكون تصغير شَعْب أو شِعْب هكذا قالوا، والأدبُ ألاَّ يقالَ ذلك، بل هذا موضوضعٌ على هذه الزِّنَةِ، وأمَّا أسماءُ الأنْبِيَاءِ فلا يدخلُ فيها تصغيرٌ ألْبَتَّةَ، إلا ما نطق به القرآن على صيغة تشبهه كشُعَيْب عليه السلام، وهو عربي لا أعجمي.
فصل قال عطاء :" هو شعيبُ بْنُ نويب بنِ مَدْينَ بنِ إبراهيمَ ".
وقال ابْنُ إسحاقَ :" هو شُعَيْبُ بْنُ ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم، وأم ميكائيل بنت لوط ".
وقيل : هو شُعَيْبُ بنُ ميرون بن مدْينَ، وكان شعيب أعمى، ويقال له :" خِطِيبُ الأنْبِيَاء " لحسن مراجعته قومه وكان أهل كفر وبخس للكَيْلِ والميزان، وهم أصحاب الأيكة.
﴿قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُ﴾ وهذا أصل معتبر في شرائع جميع الأنبياء.
﴿قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ واعلم أنَّ المراد من البيِّنَةِ هنا المعجزة، ولم تذكر في القرآن.
كما لم يذكر في القرآن كثير من مُعْجِزاتِ رسُولِنَا.
قال الزمخشريُّ :" ومن معجزات شعيب أنَّهُ دفع إلى موسى عصاه وصارت ثعباناً، وأيضاً قال لموسى - عليه [الصلاة] والسلام - : هذه الأغنام تلد أوْلاداً فيها سواد وبياض، وقد وهبتها لك، فكان الأمر كذلك ".
٢١٠