وقيل : سُمِّيت الأنفال ؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم.
وقال الزمخشريُّ : والنَّفَل ما ينفلُهُ الغازي، أي : يعطاه، زيادةً على سهمه من المغنم، وقال الأزهريُّ " النَّفَل، والنَّافلة ما كان زيادةً على الأصلِ، وسُمِّيت الغنائمُ أنفالاً ؛ لأنَّ المسلمين فُضِّلُوا بها على سائر الأمم، وصلاةُ التطوع نافلةٌ ؛ لأنَّها زيادةٌ على الفرض " وقال تعالى :﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ [الأنبياء : ٧٢] أي : زيادة على ما سأل.
قال القرطبي : النَّفَلُ - بتحريك الفاءِ - والنَّفْل : اليمينُ، ومنه النَّفَل في الحديث " فتبرئكم يهود بنفل خمسين منهم " والنَّفل : الانتفاءُ، ومنه الحديث فانتفلَ من ولده.
والنَّفلُ : نبت معروف.
فصل في هذا السؤال قولان : أحدهما : أنَّهم سألوا عن حكم النفال، كيف تُصرفُ ؟ ومن المستحقُّ لها ؟ نظيره قوله تعالى :﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة : ٢٢٢] و ﴿عَنِ الْيَتَامَى ﴾ [البقرة : ٢٢٠] فقال في المحيض :﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة : ٢٢٢] وقال في التيامى ﴿قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة : ٢٢٠].
فأجابهم بالحكم المعيَّن في كل واقعةٍ فدلَّ الجواب المعيَّن على أنَّ السؤال كان عن مخالطة النساء في المحيض، وعن التصرُّفِ في مال اليتامى ومخالطتهم في المؤاكلة.
الثاني : هذا سؤال استعطاء، و " عَنْ " بمعنى " مِنْ "، وهذا قول عكرمة كما تقدم في قراءته.
٤٤٤
فأمَّا القولُ الأولُ : وهو أنَّ السؤال كان عن حكم الأنفال ومصرفها، فهو قول أكثر المفسرين لأنَّ قوله ﴿قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال : ١] يدُلُّ على أنَّ المقصود منه منع القومِ عن المخاصمة والمنازعة.
وقوله :﴿فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ يدلُّ على أنَّ السُّؤال كان بعد وقوع الخصومة بينهم، وقوله :﴿وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ يدلُّ على ذلك أيضاً.
وإذا عرف ذلك فيحتمل أن يكون المراد بهذه الأنفال قسمة الغنائم، وهي الأموال المأخوذة من الكفار قهراً، ويحتمل أن يكون المراد غيرها.
أما الأوَّلُ ففيه وجوه : أحدها : أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلام قسم ما غنموه يوم بدر على من حضر وعلى أقوامٍ لم يحضرُوا أيضاً، وهم ثمانيةُ أنفسٍ : ثلاثةُ من المهاجرين، وخمسة من الأنصار، فالمهاجرون : عثمانُ - رضي الله عنه - تركه عليه الصلاة والسلام على ابنته وكانت مريضةً، وطلحةُ وسعيدُ بن زيد فإنَّه عليه الصلاة والسلام بعثهما للتَّجسس عن خبرِ العدوّ وخرجا في طريق الشَّام.
وأما الأنصارُ : فأبو كنانة بن عبد المنذر، وخلفه النبي ﷺ على المدينة، وعاصم خلفه على العالية، والحارث بن حاطب : ردَّهُ من الرَّوحاء إلى عمر بن عوفٍ لشيء بلغه عنه والحارث بن الصمة أصابته علةٌ بالروحاء، وخوات بن جبير، فهؤلاء لم يحضروا، وضرب لهم النبي ﷺ في تلك الغنائم بسهم، فوقع من غيرهم فيه منازعة، فنزلت هذه الآية.
ثانيها : روي أنَّ الشَّبابَ يوم بدر قتلُوا وأسرُوا، والأشياخ وقفُوا مع رسول الله ﷺ في المصاف فقال الشبانُ : الغنائمُ لنا لأنَّ قتلنا وأسرنا وهزمنا.
فقال سعد بن معاذ : والله ما منعنا أن نطلب ما طلب هؤلاء زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو، ولكن كرهنا أن تعرى مصافك، فتعطف عليك خيلٌ من المشركين فيصيبوك.
وروي أنَّ الأشياخ قالوا : كُنَّا رِدْءاً لكم ولو انهزمتم لانحزتم إلينا، فلا تذهبُوا بالغنائم، فوقعت المخاصمة بهذا السَّبب فنزلت هذه الآية.
وثالثها : قال الزجاج :" الأنفالُ الغنائمُ، وإنَّما سألُوا عنها ؛ لأنها كانت حراماً على من كان قبلهم ".
وهذا ضعيفٌ ؛ لأنَّ بيَّنَّا في هذا السؤال أنه كان مسبوقاً بمنازعة ومخاصمة، وعلى قول الزجاج يكونُ السُّؤال عن طلب حكم فقط وأما الاحتمالُ الثاني : وهو أن يكون المرادُ بالأنفالِ شيئاً سوى الغنائمِ، وعلى هذا أيضاً فيه وجوه : أحدها : قال ابنُ عباس في بعض الروايات :" المرادُ بالأنفال ما شذَّ عن المشركين
٤٤٥


الصفحة التالية
Icon