وقال آخرون لم يُقاتلُوا وإنَّما كانوا يكثرون السَّواد ويثبتون المؤمنين، وإلاَّ فملك واحد كافٍ في إهلاك أهل الدنيا كلهم فإنَّ جبريل - عليه السلام - أهلكَ بريشةٍ من جناحه مدائن قوم لوطٍ، وأهلك بلاد ثمود، وقوم صالح بصحية واحدة.
وقد تقدَّم الكلامُ في كيفية هذا الإمداد في سورة آل عمران، ويدلُّ على أنَّ الملائكة لم يقاتلوا قوله ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى ﴾ إذا جعلنا الضمير عائداً على الإرداف.
قال الزَّجَّاجُ :" وما جعل الله المردفينَ إلا بشرى " وهذا أولى ؛ لأنَّ الإمدادَ بالملائكة حصل بالبشرى.
﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ والمقصود التَّنبيه على أنَّ الملائكةَ وإن كانُوا قد نزلوا في موافقة المؤمنين، إلاَّ أنَّ الواجب على المؤمنِ أنْ لا يعتمد على ذلك، بل يجبُ أن يكون اعتماده على اللَّهِ ونصره وكفايته ؛ لأنَّ الله هو العزيزُ الغالب الحكيم فيما ينزل من النُّصْرَةِ فيضعها في موضعها.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٦٤
قوله :" إذْ يُغَشِّيكمُ " في " إذ " وجوه : أحدها : أنَّهُ بدلٌ من " إذ " في قوله :" وإذْ يَعِدُكُم " قال الزمخشريُّ :" إذْ يغشاكُمُ " بدلٌ ثانٍ من " إذ يعدكُم ".
قوله :" ثَانس " ؛ لأنه أبدل منه " إذْ " في قوله :" إذْ تستغيثُونَ " ووافقه على هذا ابنُ عطيَّة، وأبو البقاء.
الثاني : أنَّهُ منصوبٌ بـ " النصر ".
الثالث : بما في عند الله من معنى الفعل.
الرابع : بـ " ما جعله اللَّهُ ".
الخامس : بإضمار " اذكُر " ذكر ذلك الزمخشريُّ.
وقد سبقه إلى الرابع : الحُوفِيُّ.
وقد ضعَّف أبو حيان الوجه الثَّاني بثلاثة أوجهٍ : أحدها : أنَ فيه إعمال المصدر المقرون بـ " أل " قال : وفيه خلاف : ذهب الكوفيُّون إلى أنَّه لا يعمل.
الثاني : أنَّ فيه فصلاً بين المصدر ومعموله بالخير، وهو قوله :﴿إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ﴾ [الأنفال : ١٠] [آل عمران : ١٢٦] ولو قلت :" ضَرْب زيدٍ شديدٌ عمراً " لَمْ يَجُرْ.
الثالث : أنه عمل ما قبل " إلاَّ " فيما بعدها، وليس أحد الثلاثة الجائز ذلك فيها ؛ لأنَّه لا يعملُ ما قبلها فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى، أو مستثنى منه أو صفة له.
وقد جوَّز الكسائيُّ والأخفش : إعمال ما قبل " إلاَّ " فيما بعدها مطلقاً، وليس في
٤٦٥


الصفحة التالية
Icon