وقال ابن عطية : ويُحتمل أن يريد بقوله :" فوق الأعْنَاقِ " وصْف أبلغِ ضرباتِ العنقِ، وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق ودون عظم الرأس.
ثم قال : ومنه قوله :[الوافر] ٢٦٧٩ - جَعَلْتُ السَّيْفَ بَيْنَ الجِيدِ مِنْهُ
وبَيْنَ أسِيلِ خَدَّيْهِ عِذَارَا
وقيل : هذا مِنْ ذكرِ الجزء وإرادة الكل ؛ كقول عنترة :[الكامل] ٢٦٨٠ - عَهْدِي بِهِ شَدَّ النَّهار كأنَّمَا
خُضِبَ البنَانُ ورأسُهُ بالعِظْلِمِ
والبَنَان : قيل : الأصابعُ، وهو اسمُ جنسٍ، الواحد : بنانةٌ ؛ قال عنترةُ :[الوافر] ٢٦٨١ - وأنَّ الموتَ طوْعُ يَدِي إذا مَا
وصَلْتُ بنانَهَا بالهِنْدُوَانِي
وقال أبو الهيثم :" البنانُ : المفاصِلُ، وكل مفصل بنانة ".
وقيل : البنانُ الأصابع من اليدين والرِّجلين، وجميع المفاصل من جميع الأعضاء، وأنشد لعنترة :[الطويل]
٤٧٢
٢٦٨٢ - وقَدْ كانَ فِي الهَيْجَاءِ يَحْمِي دِمَاءَهَا
ويَضْرِبُ عِنْدَ الكَرْبِ كُلَّ بنانِ
وقد تُبْدلُ نونُه الخيرة ميماً ؛ قال رؤبةُ :[الرجز] ٢٦٨٣ - يَا هَالَ ذاتَ المَنْطِقِ التَّمْتَامِ
وكَفِّكِ المُخَضَّبِ البَنَامِ
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٠
قوله :" ذَلِكَ بأنَّهُمْ "، " ذلكَ " مبتدأ وخبر، والإشارةُ إلى الأمر بضربهمٍ، والخطابُ يجوزُ أن يكون للرسول ﷺ ويجوز أن يكون للكفَّارِ، وعلى هذا فيكونُ التفاتاً.
كذا قال أبُو حيَّان وفيه نظر لوجهين : أحدهما : أنه يلزمُ من ذلك خطابُ الجمع بخطاب الواحد، وهو ممتنعٌ أو قليلٌ، وقد حُكِيَتْ لُغَيَّة.
والثاني : أنَّ بعده :﴿بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللَّهَ﴾ فيكون التفت من الغيبةِ إلى الخطاب في كلمة واحدة، ثمَّ رجع إلى الغيبة في الحال، وهو بعيدٌ.
قوله :﴿وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ﴾ " مَنْ " مبتدأ، والجملةُ الواقعة بعدها خبرها، أو الجملة الواقعة جزءً أو مجموعهما، ومن التزم عود ضمير من جملة الجزاءِ على اسمِ الشَّرط قدَّرهُ هُنَا محذوفاً تقديره : فإنَّ الله شديدُ العقاب له.
واتفق القُّراءُ على فكِّ الإدغام هنا في :" يُشاقِقِ " ؛ لأنَّ المصاحفَ كتبته بقافين مفكوكتين، وفَكُّ هذا النوعِ لغةُ الحجاز، والإدغامُ بشروطه لغة تميم.
فصل والمعنى : أنَّه تعالى ألقاهم في الخزي والنَّكال من هذه الوجوه الكثيرة ؛ لأنهم شَاقُّوا الله ورسوله قال الزَّجَّاجُ جانبوا، وصاروا في شقّ غير شقِّ المؤمنين والشِّقُّ الجانب و " شَاقوا اللَّهَ " مجاز، والمعنى : شاقُّوا أولياءَ اللَّهِ، ودين اللَّهِ.
٤٧٣
ثم قال :﴿وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ يعني أنَّ هذا الذي نزل بهم في ذلك اليَوْمِ شيءٌ قليلٌ بالنسبة لِمَا أعدَّ لهم من العقاب يوم القيامةِ.
قوله :﴿ذالِكُمْ فَذُوقُوهُ﴾ يجوز في :" ذَلِكُمْ " أربعةُ أوجهٍ : أحدها : أن يكون مرفوعاً على خبر ابتداء مضمر، أي : العقاب ذلكم، أو الأمر ذلكم.
الثاني : أن يرتفع بالابتداء، والخبرُ محذوفٌ، أي : ذلكم العقابُ وعلى هذين الوجهين ؛ فيكون قوله " فَذُوقُوهُ " لا تعلُّق لها بما قبلها من جهة الإعراب.
والثالث : أن يرتفع بالابتداء، والخبرُ قوله :" فَذُوقُوهُ " وهذا على رأي الأخفشِ فإنَّهُ يرى زيادة الفاء مطلقاً أعني سواءً تضمَّن المبتدأ معنى الشَّرط أمْ لا، وأمَّا غيرُهُ فلا يُجيز زيادتها إلاَّ بشرط أن يكون المبتدأ مشبهاً لاسم الشرك ما تقدَّم تقريره.
واستدلَّ الأخفشُ على ذلك بقول الشاعر :[الطويل] ٢٦٨٤ - وقَائِلَةٍ : خَولاَنُ فانْكِحْ فَتَاتَهُمْ
وأكرُومَةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كَمَا هِيَا
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٣


الصفحة التالية
Icon