وخرَّجه الآخرون على إضمار مبتدأ تقديره : هذه حَوْلاَنُ.
الرابع : أن يكون منصوباً بإضمار فعل يُفسِّرهُ ما بعده، ويكون من باب الاشتغال.
وقال الزمخشريُّ :" ويجوز أن يكون نصباً على : عليكم ذلكم فذوقوه كقولك : زيداً فاضربهط.
قال أبو حيان :" ولا يَصِحُّ هذا التقدير، لأنَّ " عليكم " من أسماء الأفعال وأسماءُ الأفعالِ لا تُضْمَر، وتشبيهُهُ بقولك : زيداً فاضربهُ، ليس بجيّد ؛ لأنَّهم لم يُقدِّرُوهُ بـ " عليك زيداً فاضربه " وإنَّما هذا منصوبٌ على الاشتغالِ ".
قال شهابُ الدِّين : يجوزُ أن يكون نَحَا الزمخشريُّ نحو الكوفيين ؛ فإنَّهم يجرونهم مجرى الفعل مطلقاً، ولذلك يُعْمِلُونه متأخراً نحو ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء : ٢٤].
وقال أبُو البقاء :" ويجوز أن يكون في موضع نصب، أي ذُوقُوا ذلكم، ويجعل الفعلُ الذي بعده مُفَسِّراً له، والأحسن أن يكون التقدير : بَاشِرُوا ذلكم فذوقوه، لتكون الفاءُ عاطفةً " قدَّر الفعل ير وافقٍ لما بعده لفظاً مع إمكانه، وأيضاً فقد جعل الفاء عاطفةً لا زائدةً وقد تقدَّم تحقيقُ الكلام في هذه الفاء عند قوله :﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة : ٤٠].
قوله ﴿وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ﴾ الجمهورُ على فتح " أنَّ " وفيها تخريجات أحدها : أنها، وما في حيَّزها في محل رفع على الابتداء، والخبرُ محذوفٌ تقديره : حَتْمٌ استقرارُعذاب النار للكافرين.
٤٧٤
الثاني : أنها خبر مبتدأ محذوف أي : الحتم، أو الواجب أنَّ للكافرين عذاب النَّارِ.
الثالث : أن تكون عطفاً على :" ذَلِكُمْ " في وجهيه قاله الزمخشريُّ.
ويعني بقوله " في وجهيه " أي : وجهي الرفع وقد تقدَّما.
الرابع : أن تكون في محلِّ نصب على المعيَّة.
قال الزمخشريُّ :" أو نصب على أنَّ الواوَ بمعنى " مع " والمعنى : ذُوقُوا هذا العذابَ العاجل مع الآجل الذي لكم في الآخرة، فوضع الظاهرَ موضع المضمر " : يعني بقوله :" وضع الظَّاهر موضع المضمر " أنَّ أصل الكلام فذوقوه وأنَّ لكم فوضع " لِلْكافِرينَ " موضع " لَكُمْ " شهادةً عليهم بالكفر ومنبهةً على العلّة.
الخامس : أن يكون في محل نصب بإضمار " واعلموا ".
قال الفراءُ : يجوزُ نصبه من وجهين : أحدهما : على إسقاط الباء، أي : بأنَّ للكافرين.
والثانيك على إضمارِ " اعلموا " ؛ قال الشاعر :[الرجز] ٢٦٨٥ - تَسْمَعُ للأخشَاءِ عنه لغطاً
وللْيَديْنِ جُسْأةَ وبَدَدَا
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٣
أي : وترى لليدين بدَدا، فأضمر " تَرَى " كذلك :" فَذُوقُوهُ " واعلموا :" أنَّ لِلْكافِرينَ ".
وأنكره الزجاج أشدَّ إنكارٍ.
وقال : لو جاز هذا لجاز : زيدٌ قائمٌ وعمراً منطلقاً، أي : وترى عمراً منطلقاً ولا يُجيزه أحدٌ.
ونبَّه بقول " فَذُوقُوه " وهو ما عجل من القتل والأسر على أنَّ ذلك يسير بالإضافة إلى عذاب القيامة فلذلك سمَّاه ذوقاً لأن الذوق لا يكون إلاَّ لتعرف الطعم، فقوله :" فَذُوقُوهُ " يدلَّ على أنَّ الذوق يكون في إدراك غير المطعوم كقوله ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان : ٤٩].
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٣
قوله تعالى :﴿يَآأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ااْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً﴾ الآية.
٤٧٥
في " زَحْفاً " وجهان : أحدهما : أنه منصوبٌ على المصدر، وذلك النّاصب له في محلِّ نصب على الحال، والتقديرُ : إذا لقيتُمُ الذين كَفَرُوا زَاحِفينَ زَحْفاً أو يَزْحَفُونَ زحفاً.
والثاني : أنه منصوبٌ على الحال بنفسه، ثُمَّ اختلفوا في صاحب الحال، فقيل : الفاعلُ أي وأنتم زَحْفٌ من الزُّحوفِ، أي : جماعة، أو وأنتم تمشون إليهم قليلاً قليلاً، على حسب ما يُفَسَّر به الزَّحْف، وسيأتي.
وقيل : هو المفعول، أي : وَهُمْ جَمٌّ كثير، أو يمشون إليكم.
وقيل : هي حالٌ منهما، أي : لقيتموهم مُتزاحفين بعضكم إلى بعض، والزَّحْفُ الدُّنو قليلاً قليلاً، يقال : زَحَفَ يَزْحَفُ إليه بالفتح فيها فهو زَاحفٌ زَحْفاً، وكذلك تَزَحَّفَ وتَزَاحَفَ وأزْحَفَ لنا عَدُوُّنَا، أي : دَنَوا لقتالنا.
وقال اللَّيْثُ : الزَّحْفُ : الجماعةُ يمشون إلى عدوِّهم ؛ قال الأعشى :[الكامل] ٢٦٨٦ - لِمَنْ الظَّعَائنُ سَيْرُهُنَّ تَزَحُّفُ
مِثْلَ السَّفينِ إذَا تَقَاذَفُ تَجْدِفُ
وهذا من باب إطلاق المصدر على العين، والزَّحْفُ : الدَّبيب أيضاً، مِنْ زَحَفَ الصبيُّ قال امرؤُ القيس :[المتقارب] ٢٦٨٧ - فَزَحْفاً أتَيْتُ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ
فَثَوْباً لَبِسْتُ وثَوْباً أجُرّ
ويجوزُ جمعُهُ على : زُحُوف ومَزَاحِف، لاختلافِ النوع ؛ قال الهذليُّ :[الوافر] ٢٦٨٨ - كَأنَّ مَزاحِفَ الحَيَّاتِ فِيهِ
قُبَيْلَ الصُّبْحِ آثَارُ السِّيَاطِ