قيل : شبَّههم بالدَّواب لجهلهم، وعدولهم عن الانتفاعِ بما يسمعونه وبما يقولونه، ولذلك وصفهم بالصُّمِّ والبكم، وبأنهم لا يعقلون.
وقيل : سمَّاهم دواباً لقلة انتفاعهم بعقولهم كما قال :﴿أُوْلَـائِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الأعراف : ١٧٩].
قال ابن عبَّاسٍ : هم نفرٌ من عبد الدار بن قصي كانوا يقولون نحن صمٌّ بكم عمي عمَّا جاء به محمَّد ؛ فقتلوا جميعاً بأحدٍ وكانوا أصحاب اللِّواء، ولم يسلم منهم إلاَّ رجلان : مصعب بن عمير، وسويد بن حرملة.
وقيل : بل هم من الدَّواب ؛ لأنه اسم لما يدبّ على الأرض ولم يذكره في معرض التَّشبيه، بل وصفهم بصفة تليقُ بهم على طريق الذَّمِّ، كما يقال لمن لا يفهم الكلام : هو شبحٌ وجسد وطلل على طريق الذمّ.
وإنمَّا جُمع على جهة الذَّم وهو خبر " شَرّ " لأنه يُراد به الكثرةُ، فجمع الخبر على المعنى.
ولو كان الأصم لكان الإفرادُ على اللَّفظ، والمعنى على الجمع.
قوله :﴿الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ يجوز رفعه أو نصبه على القطع.
قوله :﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ﴾ سماع الفهم والقبول، ولو أسمعهم بعد أن علم أنه لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك، ولتولَّوا وهم معرضون لعنادهم وجحدوهم الحقَّ بعد ظهوره.
وقيل : إنهم كانوا يقولون للنبي ﷺ أحي لنا قُصَيّاً فإنَّه كان شيخاً مباركاً حتى نشهد لك بالنُّبوَّة من ربك فقال اللَّه - عزَّ وجلَّ - :﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾ كلام قصيٍّ :﴿لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾.
فصل اعلم أنَّهُ تعالى حكم عليهم بالتَّولي عن الدلائل، وبالإعراض عن الحق، وأنَّهُم لا يعقلونه البتَّة ولا ينتفعون به ألبتَّة، وإذا كان كذلك وجب أن يكون صدور الإيمان منهم مُحَالاً ؛ لأنَّهُ لو صدر منهم الإيمان، لكان إمّضا أن يوجد إيمانهم مع بقاء هذا الخبر صدقاً، أو مع انقلابه كذباً، والأول محالٌ ؛ لأنَّ وجود الإيمان مع الغخبار عن عدم الإيمان يكون جميعاً بين النَّقيضيْنِ وهو محالٌ، والثاني محالٌ ؛ لأن انقلاب خبر اللَّهِ الصدق كذباً محالٌ، لا سيَّمَا في الزَّمانِ المنقضي وهكذا القول في انقلاب علم اللَّه جهلاً، كما تقدَّم تقريره.
٤٨٧
فصل قال النُّخحاة : كلمة " لو " وضعت للدلالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره.
فإذا قلت : لو جئتني لأكرمتك، أفاد أنَّه ما حصل المجيءُ، وما حصل الإكرامُ، ومن الفقهاء مَنْ قال : إنَّه يفيد الاستلزام، فأمَّا الانتفاء لأجل انتفاء الغير، فلا يفيده هذا اللَّفْظُ، ويدل عليه الآية والخبر.
أمَّا الآية فهذه وتقريره : أنَّ كلمة " لَوْ " لو أفادت ما ذكروه لكان قوله :﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ﴾ يقتضي أنَّهُ تعالى ما علم خيراً وما أسمعهم، ثمَّ قال ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ فيكون معناه : أنه ما أسمعهم، وأنهم ما تولَّوا لكن عدم التولي خير من الخيرات، فأوَّل الكلام يقتضي نفي الخير، وآخره يقتضي حصول الخير، وذلك متناقض.
٤٨٨
فثبت القولُ : بأنَّهُ لو كانت كلمة :" لَوْ " تفيد انتفاء الشَّيء لانتفاء غيره لوجب هذا التناقص ؛ فوجب أن لا يُصار إليه.
وأمَّا الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام :" نِعْم الرَّجُلُ صُهَيْبٌ لو لمْ يَخَفِ اللَّه لَمْ يَعْصِهِ " فلو كانت لفظه " لَوْ " تفيدُ ما ذكروه لصار المعنى أنَّهُ خاف الله وعصاه، وذلك متناقض.
فثبت أنَّ كلمة " لَوْ " لا فتيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره، وإنَّما تفيدُ مجرد الاستلزام، وهذا دليل حسن إلاَّ أنَّهُ خلاف قول الجمهور.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٨٦
قوله تعالى :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾ الآية.
قال أبو عبيدة، والزجاج :" استَجِيبُوا " معناه : أجيبوا ؛ وأنشدوا قول الغنوي :[الطويل] ٢٦٩٠ -...................
فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذاكَ مُجِيبُ