جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٨٩
٤٩١
وقال الآخر :[الطويل] ٢٦٩٣ - فَلاَ ذَا نَعِيمٍ يُتْرَكنْ لِنعيمِهِ
وإنْ قال قَرِّظْني وخُذْ رِشْوةً أبَى
وَلاَ ذَا بئِيسٍ يتركنَّ لِبُؤْسِهِ
فَيَنْفَعَهُ شَكُوٌ إليه إن اشْتَكى
فإذا جاز أن يُؤكد المنفيُّ بـ " لا " مع انفصاله، فلأن يؤكَّد المنفيُّ غيرُ المفصول بطريق الأولى إلاَّ أنَّ الجمهور يحملون ذلك على الضرورة.
وزعم الفرَّاءُ أنَّ :" لا تُصِيبَنَّ " جواب للأمر نحو : انزلْ عن الدَّابة لا تَطْرَحَنَّكَ، أي : إن تنزل عنها لا تَطْرَحنك، ومنه قوله تعالى ﴿لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ [النمل : ١٨] أي : إن تدخلوا لا يَحْطِمنَّكُم، فدخلت النُّونُ لِما فيه من معنى الجزاء.
قال أبو حيان.
وقوله " لا يحطمنَّكُم " وهذا المثالُ، ليس نظير ﴿فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ﴾ ؛ لأنه ينتظم من المثالِ والآيةِ شرطٌ وجزاءٌ كما قدَّر، ولا ينتظمُ ذلك هنا، ألا ترى أنه لا يَصِحُّ تقدير : إن تتقوا فتنة لا تُصِبِ الذين ظلموا، لأنه يترتَّبُ على الشرط غيرُ مقتضاه من جهة المعنى.
قال الزمخشري :" لا تُصِيبَنَّ " لا يخلو إمَّا أن يكون جواباً للأمر، أو نهياً بعد أمرٍ، أو صفة لـ " فِتْنَةً " فإن كان جواباً فالمعنى : إن أصابتكُم لا تُصيب الظَّالمين منكم خاصة بل تَعُمُّكُم.
قال أبو حيان " وأخذ الزمخشريُّ قول الفرَّاءِ، وزاده فساداً وخبَّط فيه " فذكر ما نقلته عنه ثم قال :" فانظر إليه كيف قدَّر أن يكون جواباً للأمر الذي هو :" اتَّقُوا " ثمَّ قدَّر أداة الشطرِ داخلةً على غير مضارع " اتقُوا " ؟ فقال المعنى : إن أصابتكُم يعني : الفتنة.
وانظر كيف قدَّر الفرَّاءُ، انزل عن الدَّابَّةِ لا تَطْرَحَنَّكَ، وفي قوله :﴿ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ﴾ [النمل : ١٨] فأدخل أداة الشَّرط على مضارع فعل الأمر، وهكذا يُقدَّر ما كان جواباً للأمر ".
وقيل :" لا تُصِيبَنَّ " جوابُ قسم محذوف، والجملةُ القسميةُ صفةٌ لـ " فِتْنَةً " أي : فتنة واللَّه لا تُصيبنَّ، ودخولُ النُّون أيضاً قليلٌ، لأنه منفيٌّ.
وقال أبُو البقاءِ " ودخلتِ النُّونُ على المنفي في غير القسم على الشُّذُوذِ " وظاهرُ هذا أنَّهُ إذا كان النَّفي في جواب القسم يَطَّرد دخولُ النُّونِ، وليس كذلك، وقيل : إنَّ اللام لامُ التَّوكيد والفعلُ بعدها مثبتٌ، وإنَّما أشبعتْ فتحةُ اللاَّمِ ؛ فتولَّدت ألفاً، فدخول النُّون
٤٩٢
فيها قياسٌ، وتأثر هذا القائلُ بقراءةِ جماعةٍ كثيرة " لتُصِيبنَّ " وهي قراءة أمير المؤمنين، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، والباقر، والربيع بن أنس، وأبي العالية، وابن جماز.
وممَّن وجَّه ذلك ابنُ جني، والعجبُ أنه وجَّه هذه القراءة الشَّاذَّة بتوجيهٍ يَرُدُّهَا إلى قراءةِ العامَّة، فقال :" يجوز أن تكون قراءةُ ابن مسعود، ومن ذكر معه مخففةً من " لا " يعني حذفت ألفُ " لا " تخفيفاً واكتفي بالحركة ".
قال :" كما قالوا : أم واللَّه، يريدون : أما واللَّهِ ".
قال المهدويُّ " كما حذفت مِنْ " ما " وهي أخت " لا " في نحو : أم والله لأفعلنَّ وشبهه ".
قوله " أخت لا " ليس كذلك ؛ لأنَّ " أما " هذه للاستفتاح، كـ " ألاَ "، وليست من النَّافية في شيءٍ، فقد تحصَّل من هذا أنَّ ابن جني خرَّج كلاًّ من القراءتين على الأخرى.
وهذا لا ينبغي أن يجوز ألبتَّة، كيف يُوجدُ لفظ نفي، ويتأوَّل بثبوتٍ وعكسه ؟ وهذا ممَّا يقلب الحقائق، ويُؤدِّي إلى التَّعمية.
وقال المبرِّدُ، والفرَّاءُ، والزَّجَّاجُ : في قراءة العامَّة " لا تُصِيبنَّ " الكلام قد تمَّ عند قوله :" فِتْنَةً " وهو خطابٌ عامٌّ للمؤمنين، ثم ابتدأ نَهْيَ الظلمة خاصةً عن التعرُّض للظُّلم فتصيبهم الفتنةُ خاصة، والمرادُ هنا : لا يتعرَّض الظَّالم للفتنة فتقع إصابتُها له خاصة.
قال الزمخشريُّ في تقدير هذا الوجه :" وإذا كانت نهياً بعد أمرٍ ؛ فكأنه قيل : واحذروا ذنباً أو عقاباً.
ثم قيل : لا تتعرَّضُوا للظلم فيصيب العقابُ أو أثر الذَّنب من ظلم منكم خاصة ".
وقال عليُّ بن سليمان : هو نَهْيٌ على معنى الدُّعاءِ، وإنَّما جعله نهياً بمعنى الدُّعاء لأنَّ دخول النون في النفي بـ " لا " عنده لا يجوز، فيصير المعنى : لا أصابت الفتنة الظالمين خاصة، واستلزمت الدُّعاء على غير الظَّالمينَ، فصار التقدير : لا أصابت ظالماً ولا غير ظالم فكأنَّه قيل : واتقوا فتنةً لا أوقعها اللَّهُ بأحدٍ.
وقد تحصَّلت في تخريج هذه الكلمة أقوال : النَّهْي بتقديريه، والدُّعاء بتقديريه، والجواب للأمر بتقديريه وكونها صفةً بتقدير القول.
قوله :" مِنكُمْ " فيه ثلاثةُ أوجهٍ : أظهرها : أنَّها للبيان مطلقاً، والثاني : أنَّها حالٌ، فيتعلَّقُ بمحذوف.
وجعلها الزمخشريُّ : للتبعيض على تقدير، وللبيان على تقدير آخر، فقال " فإن قلت : فما معنى " مِنْ " في قوله :﴿الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ﴾ ؟ قلت : التبعيضُ على الوجه الأوَّلِ،
٤٩٣


الصفحة التالية
Icon