بهؤلاء الذين نقضوا عهدك وجَاءُوا لحربك فعلاً من الحرب والتمكين، يفرقُ منك ويخافك من خلفهم من أهل مكة واليمن، " لَعَلَّهُم يذَّكرُون " يتذكرون ويعتبرون فيا ينقضون العهد.
وقرأ الأعمش بخلاف عنه :" فَشَرِّذْ " بالذال المعجمة.
وقال أبُو حيَّان رحمه الله تعالى :" وكذا هي في مصحف عبد الله ".
قال شهاب الدين :" وقد تقدَّم أنَّ النَّقْطَ والشَّكْلَ أمرٌ حادثٌ، أحدثه يحيى بن يعمر، فكيف يُوجد ذلك في مصحف ابن مسعود ؟ ".
قيل : وهذه المادة - أعني : الشين، والرَّاء، والذال المعجمة - مهملة في لغة العرب وفي هذه القراءةِ أوجه، أاحدها : أنَّ الذَّال بدلُ من مجاورتها، كقولهم : خراديل وخراذيل.
الثاني : أنه مقلوبٌ مِنْ " شذر "، من قولهم : تَفرَّقُوا شَذَرَ مَذَرَ، ومنه : الشَّذْر المُلتقط من المعدن ؛ لتفرُّقِهِ ؛ قال :[الطويل] ٢٧٢٣ - غَرَائِرُ فِي كِنٍّ وَصوْنٍ ونَعْمَةٍ
يُحَلَّيْنَ يَاقُوتاً وشَذْراً مُفَقَّرا
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٤٥
الثالث : أنه من ذر في مقاله، إذا أكثر فيه، قاله أبو البقاءِ، ومعناه غير لائق هنا.
وقال قطرب :" شرّذ " بالمعجمة، التنكيل، وبالمهملة : التَّفريق.
وهذا يُقَوِّي قول من قالك إن هذا المادَّة ثابتةٌ في لغة العربِ.
قوله " مَنْ خَلْفَهُمْ " مفعول :" شرِّدط.
وقرأ الأعمشُ بخلاف عنه وأبو حيوة " مِنْ خلفهم " جاراً ومجروراً، والمفعولُ على هذه القراءة محذوفٌ، أي : فشرِّدُ أمثالهم من الأعداء، وأناساً يعملون بعملهم، والضميران في " لَعَلَّهُم يذكَّرُون " الظَّاهِرُ عودهما على " مَنْ خَلْفَهُمْ "، أي : إذا راوا ما حلَّ بالمناقضين تذكَّرُوا.
وقيل : يعودان على المثقفين، وليس له معنى طائل.
قوله :﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآءٍ﴾.
مفعول انبذ محذوف، أي : انبذ إليهم عهودهم، أي : اطرحها، ولا تكترث بها
٥٤٧
و " عَلَى سواءٍ " حال إمَّا من الفاعل، أي انبذها، وأنت على طريقٍ قصدٍ، أي : كائناً على عدل، فلا تَبْغتهُمْ بالقتالِ بل أعلمهم به، وإمَّا من الفاعل والمفعول معاً، أي : كائنين على استواء في العلم، أو في العداوةِ.
وقرأ العامَّةُ بفتح السِّين، وزيد بن علي بكسرها، وهي لغة تقدم التنبيه عليها أول البقرة.
فصل المعنى : وإمَّا تعلمنَّ يا محمد " من قومٍ " معادين :" خيانةً " نقض عهد بما يظهر لك منهم من آثار الغدر، كما يظهر من قريظة والنضير :" فانبِذْ إليْهِمْ " فاطرح " إليهمْ " عهدهم " على سواءٍ ".
يقول : أعلمهم قبل حربك إيَّاهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم حتَّى تكون أنت وهم في العلم بنقض العهد سواء، فلا يتوهموا أنك نقضت العهد بنصبِ الحرب معهم.
وقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾ هذه الجملة يحتمل أن تكون تعليلاً معنوياً للأمر بنبذ العهد على عدل، وهو إعلامهم، وأن تكون مستأنفة، سيقت لذمِّ من خان رسول الله ﷺ، ونقض عهده.
قوله تعالى :﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ الآية.
قرأ ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم " يَحْسبنَّ " بياء الغيبة هنا، وفي النور في قوله :﴿لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ﴾ [النور : ٥٧] كذلك، خلا حفصاً، والباقون بتاء الخطابِ، وفي قراءة الغيبة تخريجاتٌ كثيرة سبق نظائرها في أواخر آل عمران، ولا بدَّ من التنبيه هنا على ما تقدَّم، فمنها، أنَّ الفعل مسندٌ إلى ضميرٍ يُفسِّره السياق، تقديره : ولا يحسبنَّ هو أي : قبيل المؤمنين، أو الرسول، أو حاسب.
أو يكون الضمر عائداً على :" مَنْ خَلفهُمْ ".
وعلى هذه الأقوالِ، فيجوزُ أن يكون " الذينَ كفرُوا " مفعولاً أول و " سَبَقُوا " جملة في محل نصب مفعولاً ثانياً.
وقيل : الفعلُ مسندٌ إلى " الذينَ كفرُوا " ثم اختلف هؤلاء في المفعولين، فقال قوم : الأول محذوفٌ تقديره : ولا يَحْسبنَّهم الذين كفروا سبقوا، فـ " هَم " مفعول أول، و " سَبَقُوا " في محل الثاني : أو يكون التقدير : لا يحسبنَّ الذين كفروا أنفسهم سبقُوا.
وهو في المعنى كالذي قبله.
وقال قومٌ : بل " أنْ " الموصولة محذوفة، وهي وما في حيَّزها سادةٌ مسدَّ المفعولين، والتقدير : ولا سحبن الذين كفروا أن سبقُوا، فحذفت " أنْ " الموصولة وبقيت صلتها،
٥٤٨
كقوله :﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ﴾ [الروم : ٢٤] وقوله :﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّى أَعْبُدُ﴾ [الزمر : ٦٤].
قاله الزجاج : والتقدير : ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقونا، وحذف " أن " الموصولة في القرآن، وفي كلام العرب كثير، فأمَّا القرآن فكالآيات، ومن كلام العربِ : تسمعُ بالمعيديِّ خيرٌ من أن تراه ؛ وقوله :[الطويل] ٢٧٢٤ - ألاَ أيُّهذا الزَّاجِرِي أحضرُ الوغَى
.............................
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٤٥


الصفحة التالية
Icon