ويؤيد هذا الوجه قراءة عبد الله " أنهم سبقوا ".
وقال قومٌ : بل " سَبَقُوا " في محلِّ نصب على الحال، والسادُّ مسدَّ المفعولين :﴿إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ﴾، وتكون " لا " مزيدةً ليصح المعنى.
قال الزمشخري - بعد ذكره هذه الأوجه - " وليست هذه القراءةُ التي تفرَّد بها حمزةُ بنيِّرة " وقد ردَّ عليه جماعةٌ هذا القول، وقالوا : لم ينفرد بها حمزةُ، بل وافقه عليها من قُرَّاء السبعة ابنُ عامر أسنُّ القراءة وأعلاهُم إسناداً، وعاصمُ في رواية حفص ثم هي قراءة أبي جعفر المدني شيخ نافع، وأبي عبد الرحمن السلمي، وابن محيصن وعيسى، والأعمش، والحسن البصرين، وأبي رجاء، وطلحة، وابن أبي ليلى.
وقد ردَّ عليه أبو حيان أيضاً أنَّ " لا يحْسبَنَّ " واقع على " أنهم لا يُعْجِزون " وتكون " لا " صلة، بأنَّهُ لا يتأتَّى على قراءة حمزة، فإنَّهُ يقرأ بكسر الهمزة، يعني فكيف تلتئم قراءةُ حمزة على هذا التخريج.
قال شهابُ الدِّين :" هو لم يلتزم التخريج على قراءة حمزة في الموضعين، أعني :" لا يَحْسبنَّ " وقوله :" أنهم لا يعجزون "، حتى نلزمه ما ذكر " وأما قراءةُ الخطاب فواضحةٌ، أي : لا تحسبنَّ يا محمدُ، أو يا سامعُ، و " الذين كفرُوا " مفعول أول، والثاني :" سبقوا "، وقد تقدَّم في آل عمران وجهُ أنه يجوز أن يكون الفاعل الموصول، وإنَّما أتى بتاءِ التأنيث، لأنه بمعنى " القوم "، كقوله :﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ [الشعراء : ١٠٥].
وقرأ الأعمش " ولا يَحْسبَ الذينَ كَفَرُوا " بفتح الباء.
وتخريجها على أن الفعل مؤكدٌ بنون التَّوكيد الخفيفة، فحذفها ؛ لالتقاء الساكنين، كما يحذفُ له التنوين ؛ فهو كقوله :[المنسرح]
٥٤٩
٢٧٢٥ - لا تُهِينَ الفَقيرَ علَّكَ أنْ
تَرْكعَ يوماً والدَّهْرُ قد رفعهْ
أي : لا تُهينن، ونقل بعضهم :﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ﴾ من غير توكيدٍ ألبتَّة، وهذه القراءةُ بكسر الباءن على أصل التقاء الساكنين.
قوله :" سَبَقُوا " أي : فاتوا.
نزلت في الذين انهزموا يوم بدرٍ من المشركين، فمن قرأ بالياء، يقول لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سابقين فائتين من عذابنا، ومن قرأ بالتَّاءِ فعلى الخطاب.
قوله ﴿إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ﴾ قرأ ابن عامر بالفتح، والباقون بالكسر.
فالفتح إمَّا على حذفِ لام العلة، أي : لأنهم.
واستبعد أبو عبيد وأبو حاتم قراءة ابن عامر، ووجهُ الاستبعادِ أنَّها تعليلٌ للنَّهْي، أي : لا تحسبنَّهم فائتينح لأنَّهم لا يعجزون، أي : لا يقع منك حُسبانٌ لفوتهم ؛ لأنَّهم لا يعجزون، وإمَّا على أنَّها بدلٌ من مفعولي الحسبان.
وقال أبُو البقاء :" إنَّه متعلقٌ بـ " حسب "، إمَّا مفعولٌ، أو بدلٌ من سَبَقُوا ".
وعلى كلا الوجهين تكون " لا " زائدة "، وهو ضعيفٌ، لوجهين : أحدهما : زيادة " لا ".
والثاني : أن مفعول " حسبن " إذا كان جملة، وكان مفعولاً ثانياً كانت " إنَّ " فيه مكسورة ؛ لأنَّه موضع ابتداء وخبر.
وقرأ العامة :" لا يُعْجِزُونَ " بنون واحدة خفيفةٍ مفتوحةٍ، وهي نونُ الرفع.
وقرأ ابن مُحَيْصِن " يُعْجِزُوني " بنون واحدة، بعدها ياء المتكلم، وهي نون الوقاية، أو نون الرفع، وقد تقدَّم الخلافُ في ذلك في سورة الأنعام في :" أتحاجُّوني ".
قال الزجاج : ألاختيارُ الفتحُ في النُّونِ، ويجوزُ كسرها، على أنَّ المعنى : لا يُعجزُونَنِي وتحذف النون الأولى، لاجتماع النونين " ؛ كما قال عمر بن أبي ربيعة :[الوافر] ٢٧٢٦ - تَراهُ كالثَّغَامِ يعلُّ مِسْكاً
يسُوءُ الفالياتِ إذا فَلَيْنِي
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٤٥
وقال متمم بنُ نُويرَةَ :[الكامل]
٥٥٠
٢٧٢٧ - ولقَدْ علمْتِ ولا مَحَالَة أنَّنِي
للحَادِثاتِ فَهَلْ تَرَيْنِي أجْزَعُ
قال الأخفشُ :" فهذا البيتُ يجوز على الاضطرار ".
وقرأ ابنُ محيصن أيضاً " يُعجزُونِّ " بنون مشددة مكسورةٍ، أدغم نون الرفع في نون الوقاية، وحذف ياء الإضافة مُجْتَزِئاً عنها بالكسرة، وعنه أيضاً فتحُ العين وتشديدُ الجيم وكسر النون، مِنْ " عَجَّزَ " مشدداً.
قال أبو جعفرٍ :" وهذا خطأ من وجهين : أحدهما : أنَّ معنى " عَجّضزه " ضعَّفه وضعَّف أمره.
والآخر : كان يجب أن يكون بنونين ".
قال شهابُ الدِّين :" أمَّا تخطئة النَّحاس لهُ فخطأٌ ؛ لأن الإتيان بالنُّونين ليس بواجب بل هو جائز، وقد قرىء به في مواضع في المتواتر، سيأتي بعضها، وأمَّا " عجَّز " بالتشديد فليس معناه مقتصراً على ما ذكر، بل نقل غيره من أهل اللغة أن معناه نسبني إلى العجز، أو معناه : بَطَّأ، وثبَّط، والقراءة معناها لائقٌ بأحد المعنيين ".
قرأ طلحة بكسر النون خفيفة.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٤٥