وروي عن خالد بن الوليد " أنه كان لا يركبُ في القتال إلا الإناث، لقلَّة صهيلها ".
روى ابن محيريز قال :" كان الصَّحابةُ يستحبُّون ذكور الخيل عند الصفوف، وإناث الخيل عند الشتات والغارات ".
قال عليه الصَّلاة والسَّلام :" الخَيْلُ مَعْقُودٌ بنواصيها الخَيْرُ إلى يومِ القيامةِ الأجْرُ والمَغْنَمُ " وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله ﷺ " مَن احتبس فرساً في سبيل اللَّهِ إيماناً باللَّهِ، وتصْديقاً بوعْدِهِ، كان شبعه وريُّةُ وبولُهُ حسنات في ميزانِهِ يوَْ القيامةِ " فصل وهذه الآية تدل على جواز وقف الخيل والسلاح، واتخاذ الخزائن والخزان [لها عدة] للأعداء، ويؤيدهُ حديث ابن عمر في الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله، وقوله عليه الصلاة والسلام في حقِّ خالد :" وأمَّا خَالدٌ فإِنَّكُم تَظْلمُونَ خالِداً فإنَّه قَد احْتبسَ أدْراعَهُ وأعْتَادَهُ في سبيلِ اللَّهِ ".
وما روي أنَّ امرأة جعلت بعيراً في سبيل اللَّهِ، فأرادَ زوجُها الحجَّ، فسألت رسول الله ﷺ فقال :" ادفعيه إليه ليحج عليه فإن الحجَّ فريضةٌ من اللَّهِ " ؛ ولأنَّهُ مال ينتفع به في وجه قربة، فجاز أن يوقف كالرباع.
ثم إنه تعالى ذكر ما لأجله أمر بإعداد هذه الأشياء.
فقال :﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ ؛ لأنَّ الكفار إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد، مستعدين له بجميع الأسلحة والآلات هابوهم.
قوله " تُرْهِبُونَ " يجوزُ أن يكون حالاً من فاعل :" أعِدُّوا "، أي : حَصِّلُوا لهم هذا
٥٥٤
حال كونكم مُرْهِبين، وأن يكُون حالاً من مفعوله، وهو الموصولُ، أي : أعِدُّوه مُرْهَباً بِهِ.
وجاز نسبته لكلٍّ منهما ؛ لأنَّ في الجملة ضميريها، هذا إذا أعدنا الضمير من " بِهِ " على " ما " الموصولة، أمَّا إذا أعَدْنَاه على الإعِدادِ المدلُولِ عليه بـ " أعِدُّوا "، أو على " الرِّباط "، أو على :" القُوَّةِ " بتأويل الحول ؛ فلا يتأتَّى مجيئُها من الموصول، ويجوز أن يكون حالاً من ضمير " لَهُمْ "، كذا نقله أبو حيَّان عن غيره، فقال :" تُرْهبون " قالوا : حال من ضمير في " لَهُمْ " ولا رابط بينهما ؟ ولا يصحُّ تقدير ضمير في جملة " تُرهبون " لأخذه معموله.
وقرأ الحسنُ ويعقوبُ، ورواها ابن عقيل عن أبي عمرو :" تُرَهَّبُون " مضعَّفاً عدَّاه بالتضعيف، كما عدَّاه العامَّةُ بالهمزةِ، والمفعول الثَّاني على كلتا القراءتين محذوف ؛ لأنَّ الفعل قبل النَّفْلِ بالهمزة، أو بالتَّضعيف متعدٍّ لواحد، نحو :" رَهَّبْتُك " والتقدير : تُرهِّبون عدوَّ اللَّه قتالكم، أو لقاءكم.
وزعم أبو حاتم أنَّ أبا عمرو نقل قراءة الحسن بياء الغيبة وتخفيف " يُرْهبن "، وهي قراءة واضحة، فإنَّ الضمير حينئذٍ يرجع إلى من يرجع إليهم ضمير " لَهُمْ "، فإنَّهُم إذا خافوا خَوَّفُوا من وراءهم.
قوله " عَدُوَّ اللَّهِ " العامَّة قراءوا بالإضافة، وقرأ السلميُّ منوناً، و " لِلَّه " بلام الجرِّ، وهو مفرد، والمراد به الجنس، فمعناه : أعداء لله.
قال صاحبُ اللَّوامح " وإنما جعله نكرةً بمعنى العامَّة ؛ لأنَّها نكرةٌ أيضاً لم تتعرَّف بالإضافة إلى المعرفة ؛ لأنَّ اسم الفاعل بمعنى الحالِ، أو الاستقبال، ولا يتعرَّف ذلك وإن أضيف إلى المعارف، وأمَّا " وعَدُوَّكُمْ " فيجوزُ أن يكون كذلك نكرة، ويجوز أن يتعرَّف لأنه قد أُعيد ذكره، ومثله : رأيت صاحباً لكم، فقال لي صاحبكم " يعني : أن " عَدُوّاً " يجوز أن يُلمحَ فيه الوصفُ فلا يتعرَّف، وألاَّ يلمح فيتعرف.
قوله " وآخَرِينَ " نسق على " عَدُوَّ اللَّهِ "، و " مِن دُونِهِمْ " صفة لـ " آخرينَ ".
قال ابن عطيَّة :" مِن دُونِهم " بمنزلة قولك : دون أن تكون هؤلاء، فـ " دون " في كلام العرب، و " مِنْ دُونِ " تقتضي عدم المذكور بعدها من النَّازلة التي فيها القول ؛ ومنه المثل :[الكامل]
٥٥٥
٢٧٣٠ -......................
وأمِرَّ دُونَ عُبَيْدةَ الوَذَمْ
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٥١